- ذائقتها تعزف على وتر الإبداع

حاورها ـ خالد بن خليفة السيابي:
كما يقال إن الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية، وإنه شكل من أشكال العلاج، ومن هذا المنطلق نجد ذائقة الفنانة والمصممة صفاء بنت محمد الفهدية تبحر في بحور الجمال الفني عبر أعمال تحمل رسالة مفادها (الفن أغنية الشعور والأحاسيس) ذائقتها تعزف على وتر الإبداع؛ لتقتنص الفكرة البكر لتخرجها للعالم الخارجي ويتراقص اللون طربًا في لوحة فنية مدهشة تسحر عين المتلقي المتذوق للفن بكافة أشكاله ومعانيه.

في البداية كيف تقدم صفاء الفهدية نفسها للقارئ؟
مُصمِّمة (جرافيك) في وزارة التربية والتعليم في (اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم) ـ اليونسكو ـ وباحثة في الفنون البصرية، حصلت على شهادة الماجستير في الفنون البصرية من جامعة السُّلطان قابوس في العام 2021، وعضوة في المجموعتين البحثية (OVARG) و (CHRVAG) المهتمة بالبحوث العلمية في مجال الفنون البصرية.

حدِّثينا عن مشاركاتك وإنجازاتك في عالمك الفنِّي؟
شاركت في تقديم أوراق علمية، وتنظيم العديد من المؤتمرات، كما شاركت في تنظيم الفعاليات والمحاضرات والحلقات النقاشية المتعلقة بالمجال ذاته، وأقمت العديد من الحلقات العملية المختلفة، وفزت بالعديد من الجوائز كالجائزة الثالثة في ملتقى الفيديو آرت الدولي (2022)، وحصدت الجائزة الثانية في المعرض السنوي للشباب الدورة الثالثة والعشرين (2019) والذي نظَّمته الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية.

ما الرسالة التي تسعَين لتقديمها للجمهور المتذوق والعاشق للفنِّ؟
إن الرسالة المقدَّمة للجمهور من خلال الأعمال الفنية التي أعرضها هي المحور المميز من تصوُّري الشخصي، فأعمالي الفنية دائمًا ما تهدف للحديث مع الجمهور المتلقي والتفاعل معه والتعايش والدخول بتأثر وتعمق مع ذلك العمل الفنِّي الحالم الذي يداعب خيال الجمهور.

ماذا يعني لك الفنُّ؟ وهل الفنُّ يقف عند نقطة معيَّنة؟
الفنُّ لا يهدأ، وإنتاج عمل في غاية الجمال وعلى الرغم أن الفنَّ يسعى لإبراز الجمال، بَيْدَ أنه يهتم بالتلاحم مع الإنسان والإنسانية ويتكامل مع المجالات والعلوم الأخرى؛ لِما له من دَور نفسي وعلاجي وعلمي وإبداعي، وكذلك يُعدُّ محورًا أساسيًّا للثقافة، وأن أفضل وسيلة للحديث مع ما حولنا هو الفنُّ، فما بالك لو استخدمنا (المفهوم) أو الرسالة هدفًا أساسيًّا في ذلك، أعتقد أن له تأثيرًا قويًّا ومثيرًا حين يتم عرض ذلك العمل الفنِّي.

حدِّثينا عن تجاربك الشخصية مع الفنِّ المفاهيمي؟
تجاربي الشخصية في الفنِّ المفاهيمي دائمًا تختلف عن تجارب فنَّان آخر في نفس المجال، يبدو أن الفنَّ المفاهيمي وعلى الرغم من ظهوره في فترة متقدِّمة من السبعينيات، إلَّا أن الفنَّان نادرًا ما يلجأ للتعبير عن فنِّه بالمفهوم، لأنَّ الفن المفاهيمي يحتاج فكرًا وقوَّة في إبراز العمل الفنِّي وفي اختيار العناصر الصحيحة والمؤثِّرة للتعبير عنها، وكذلك الطريقة المناسبة للعمل عليها، ويجب أن لا ننسى أن الخامة المستخدمة أو الوسيط المستخدم في العمل الفنِّي له دَور كبير جدًّا في توصيل الرسالة بالشكل المطلوب. فعلى سبيل المثال عندما يعرض الفنَّان عملًا تركيبيًّا أو عملًا في التجهيز في الفراغ لا بُدَّ أن يأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان؛ لأنَّه وبكل بساطة، الفترة الزمنية تعطي انطباعًا ورسوخًا قويًّا في التآلف مع العمل الفنِّي.

على ماذا تُركِّزين في أعمالك الفنية؟
في أعمالي الفنية دائمًا أركز على اختيار الخامة المُثلى لعرض الفكرة أو العمل، فعمل (طفل النذر) على سبيل المثال يغلب عليه البيئة الرملية، وعمل (نافذة) كان من نوافذ حديدية أخذتها من أحد المنازل من قرية عُمانية قديمة، وهكذا الحال مع أعمالي الأخرى، وما يجعلني سعيدة حقًّا أن الجميع من مشاهدين وفنَّانين ونقَّاد ومتذوِّقين للفنِّ كانت تستوقفهم جمالية المادة المستخدمة في العمل وروحانية العمل أثناء العرض، وبهذا أجد نفسي قد وفِّقت بالحديث معهم دون خوض أي حوار أو نقاش شفهي.

أعمالك الفنية عديدة أيُّها أقرب إلى قلبك؟
العمل التركيبي (طفل النذر) هو الأقرب بالنسبة لي، والفائز بالمركز الثالث في ملتقى الفيديو آرت بالدمام في عام 2022م، ويُعدُّ هذا العمل من الأعمال الفنية المفاهيمية المعاصرة، والفنُّ المفاهيمي دائمًا ما يهتم بالفكرة والرسالة التي يقدِّمها الفنَّان، في الواقع هذا ما لمسته من الفنِّ في بداية ممارستي له، فهو يحمل رسائل فنية وعلى الفنَّان اختيار الطريقة الصحيحة في إنتاج وتقديم العمل الفني للجمهور.

حدِّثينا بشكل تفصيلي أكثر عن عملك أسطورة (طفل النذر) وهل هو يلامس العُمانيين أم غير العُمانيين؟
أسطورة (طفل النذر) إحدى الأساطير العُمانية التي تتصل بالمجتمع اتصالًا معنويًّا وفكريًّا بشكلٍ قويٍّ، ومن المدهش أن هنالك أساطير عالمية شعبية مشابهة لها، تتمثل هذه التجربة في تجسيد الأسطورة بشكلٍ واقعي ممزوجة بروحانية الشعوب القديمة في عمل فنِّي معاصر يلامس العُمانيين وغير العُمانيين وواقعهم الأثري بشكلٍ مباشر، وكمثل الفنَّانين الآخرين في مختلف الحضارات القديمة قد جسَّدوا موروثاتهم بأساليب متعددة، وبدوري كباحثة وفنَّانة في هذا المجال تبنَّيت هذه الأسطورة لإيصالها بأسلوب فنِّي فريد في ساحة الفنِّ العُمانية والعالمية.

رحلتك الفنية كيف انطلقت؟ ومع أي عمل كانت البداية؟
رحلتي الفنية انطلقت مع العمل الفنِّي (مرحلة) في عام 2017م، ومع تقدُّم عجلة الزمن بدأت أتأمل كل ما حولي لكي أصطاد أفكارًا أنطلق من خلالها، والإنسان ما يوشك أن يخرج من مرحلة إلا واتبعتها مرحلة أخرى لا تقلُّ أهمية عنها، وتختلط هذه المراحل بين الفشل والنجاح والنهوض بعد السقوط، هنا يأتي دَور الفنَّان في كيفية التعبير عن هذا المفهوم واستكشاف مدى أهمية توصيل الفكرة في المجتمع بالطريقة المثلى، ثم أنتجت أعمالي الفنية الأخرى (نافذة) و(تفكر)، كانت عبارة عن إسقاطات لأفكاري المكنونة في هيئة رمزية مفاهيمية. فلو تمعَّنا الحديث عن عملي الفنِّي (مرحلة) فقد كانت فكرته هي تأمل الإيماءات التي تعبِّر عن مشاعر الأشخاص فبدأت بتصوير امرأة لهذه المشاهد، وتزامن ذلك التقاط الصور المتتالية في كل مشهد، قمت بعرض الصور واحدة تلو الأخرى أمامي، وبدأت بالتأمل ماذا لو قمنا بحذف إحدى هذه الصور، إذًا سيكون هنالك خلل أو شيء مفقود في تلك المرحلة، فعزمت على طباعة تلك الصور الملتقطة في لوحات من زجاج قمت بصفِّها بطريقة يستطيع المشاهد رؤية تلك الالتقاطات بشكلٍ متكامل.

ماذا تقولين عن ظهور المرأة في الأعمال الفنية؟
الأنثى بكينونتها، المرأة والقضايا المتعلقة بها بالطبع ستلامس صفاء المرأة قبل أن تكون فنَّانة، ظهور المرأة في الأعمال الفنية بهيئة عادية أو مغطاة الوجه والملامح كلّها لها أهداف للتأمل والتمعُّن في المرأة، ولو رجعنا مرَّة أخرى إلى العمل الفنِّي (مرحلة) من قامت بتجسيد المشاهد هي امرأة ارتدت عباءة سوداء غطَّت جميع ملامحها، هنا الغطاء لم يكن عائقًا، بل إنَّها استطاعت الحديث مع الجميع والمرور بكلِّ تلك المشاعر والمراحل مهما كانت تمتلك من صفات في جميع الثقافات والحضارات، فهي تفرح وترقص وتسقط وقادرة على النهوض من جديد.

هل قدمتِ أعمالًا في مجال (الفيديو آرت)؟
قدَّمت العديد من الأعمال في مجال (الفيديو آرت) كالعمل الفنِّي (لغة امرأة)، وهي مواجهة المرأة للمجتمع من الأوامر والالتزامات التي تفرض عليها، فيسيطر عليها نظام حياتي معيَّن، وتعبِّر في الفيديو بأنها تحاول جاهدة زخرفة ثوبها الأسود احتجاجًا على ذلك، أما عن العمل الفنِّي (البنجري المشوك) فهنا تظهر محاولات للمرأة لحماية نفسها، وتظهر كما لو أنَّها تقاوم شيئًا في محيطها.

ماذا ينقص الساحة الفنية العُمانية؟
لا بُدَّ من تكثيف البرامج والندوات والملتقيات التي تتعلق بالفن؛ لأنَّه بالفن نستطيع الوصول إلى المجتمعات الأخرى، سواء كانت المجتمعات العربية أو الأجنبية، وكما أسلفت مسبقًا، بالفنِّ ومن خلال الفنِّ نستطيع توثيق الفكر والحضارة لمجتمعاتنا، وتأريخها من ناحية أخرى.
الفنُّ يوحِّد لغة الحديث بيننا، لذلك أرجو أن تكون هنالك مراكز أكاديمية وثقافية مختصَّة بالفنون وتطبيقاتها وتفعيل دَور الفنَّان المقيم، وتبادل الزيارات بين الدول والتثقيف بالفنِّ، كما أنَّ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي له دَور كبير في إيصال الفنِّ للمجتمع، لذلك أرجو أن تكون هنالك فئات مختصَّة وبرامج تهتم بتوصيل الفنون رقميًّا في ظلِّ التغييرات الحالية.