يمرُّ العالم أجمع، وليست الأُمَّة العربية والإسلامية وحسب، بظروف اقتصادية وسياسية في غاية الصعوبة والدقة، حيث تغوَّل التضخُّم ليتخطَّى الحدود في كافَّة أقطار المعمورة، ولم ينجُ من هذه الزيادة المهولة في الأسعار عامة وأسعار السلع الغذائية والمحروقات على وجه الخصوص. ورغم الأسباب التي تسوقها الحكومات ويروِّج لها (الخبراء)، إلَّا أن العولمة الاقتصادية وأدواتها الغربية وطرقها هي المتسبب الوحيد لِما وصل إليه الاقتصاد العالمي من ترنُّح، ولا أريد أن أكون متشائمًا أو مبالغًا لو أكدت أن الأوضاع الاقتصادية ستكون أشد سوء إذا أصررنا على الاستمرار في الاستماع لنصائح أنصار الاقتصاد العالمي الحُر وأدواته، وعدم إيجاد حلول عملية تتناسب أولًا مع ما وصلنا إليه من تردٍّ اقتصادي، وما نملكه من إمكانات.
إن تلك النظرة غير المتفائلة برغم حجيَّتها، إلَّا أننا لا نزال نملك أدوات وثروات طبيعية نستطيع ـ إذا تكاملت الخطوات ـ أن نخرج من رحم المعاناة التي نعيشها في المنطقة العربية دولًا وحكومات، خطوات بسيطة سياسية قبل أن تكون اقتصادية تدفعنا نحو التعاون والتكامل البنَّاء، القادر على بناء مستقبل أفضل يناسب طموحات الشعوب العربية، التي تمرُّ بأوقات اقتصادية عصيبة، خصوصًا في شهر رمضان الفضيل، الذي تؤكد الإحصائيات تنامي النمط الاستهلاكي في كافَّة القطاعات الاستهلاكية من ملبس ومأكل ومستلزمات انتقال. فبعيدًا عن روحانية الشهر المبارك، يُعدُّ رمضان أحد الأشهر التي يزداد الإنفاق خلالها، ما يرهق ميزانية الأُسَر العربية طوال أيامه وصولًا لعيد الفطر المبارك.
ولعلَّ هذه المناسبة تحتاج من الحكومات تحركًا سريعًا يُلبِّي الاحتياجات الغذائية، ويعمل على إيجاد بدائل محلِّية بشكلٍ أسرع، والعمل على التعاون العربي لتحقيق الأمن الغذائي المطلوب، بخطَّة استراتيجية طويلة المدى، خصوصًا وأنَّ المنطقة تمتلك مُقوِّمات واعدة إذا أُحسن استخدامها. فالمنطقة تمتلك الأيدي العاملة ورؤوس الأموال المستثمرة، والموارد الطبيعية الكبيرة التي يمكن أن تُحدث الفارق في المستقبل القريب، وتجعل المنطقة أقل تأثرًا بالأزمات العالمية التي تؤثِّر على التجارة العالمية، خصوصًا في الجانب الغذائي. فالتعاون في تحقيق الأمن الغذائي العربي ليس رفاهية، لكنَّه ضرورة يفرضها الواقع، نظرًا لِما يُلبِّيه هذا التعاون من مصالح مشتركة، سيجني نتائجها الجميع شعوبًا وحكومات.
كما سينطلق هذا التعاون في المجال الحيوي، ألا وهو الأمن الغذائي، بقطار التعاون العربي ليطول قطاعات أخرى تُرمِّم الانهيار الاقتصادي الذي تتعرض له معظم الدول العربية، كما سيكون هذا التعاون بداية مرحلة جديدة من الانعتاق عن سيطرة العولمة الاقتصادية العالمية، والعودة إلى بناء منظومة اقتصادية وسياسية نابعة من المُقوِّمات والإمكانات والاحتياجات العربية، منظومة قادرة على مواجهة التحدِّيات برسوخ، واستلهام التجارب الإقليمية المتعددة التي نجحت في الصعود عالميًّا كالتجربة الشرق آسيوية، وقبلها تجارب غرب أوروبا التي خرجت من الحرب العالمية مدمَّرة، وغيرها من التجارب التي استطاعت عبر التعاون الإقليمي الوصول لمكانة عالمية جعلتها رقمًا صعبًا في منظومة الاقتصاد العالمي.


إبراهيم بدوي
[email protected]