مذكّرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية يوم الجمعة الماضي بحقِّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سابقة لم تجرؤ عليها جهة من قَبل، وهي أن تدين رئيس إحدى الدول العظمى، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والتي تمتلك حقَّ الفيتو، ولم يسبق للمحكمة إصدار مذكّرات لرؤساء دوَل ما زالوا في السلطة بخلاف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، ولم يتم تنفيذ مذكّرة التوقيف بوفاة القذافي، ورغم تعهُّد السُّلطة الحاكمة بالسودان بتسليم البشير لمقرِّ المحكمة في لاهاي، إلَّا أنَّه مرَّت سنوات دُون تنفيذ القرار، ولا أظن أن يجرؤ أيُّ نظام بتسليم رئيسه السابق لمِثل هذه المحكمة.
وأصدرت الجنائية الدولية 134 مذكَّرة اعتقال منذ إنشائها، لم يتم تنفيذ معظمها، باستثناء قضية سفاح البوسنة رادوفان كاراديتش زعيم صرب البوسنة الذي ظل هاربًا 13 عامًا، بعد إدانته بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في مذبحة سربرينيتشا التي وقعت في يوليو 1995م، وراح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم بوسني على أيدي قوات صرب البوسنة، وتم القبض عليه في العام 2008 بعد مطاردة داخل الجمهوريات اليوغسلافية السابقة استمرت عقدًا كاملًا، وأيَّد قضاة الاستئناف الحكم الصادر بحقِّ كاراديتش بالسجن المؤبد 40 عامًا.
والسبب وراء إصدار المذكّرة بحق بوتين ـ كما زعمت الجنائية الدولية، ضلوعه في عمليات خطف أطفال من أوكرانيا، وعرضهم للتبني في روسيا.
وتنفيذ أوامر توقيف المحكمة الجنائية، لا تلزم سوى الدول الموقِّعة على اتفاقية الانضمام، وهي 120 دولة فقط أعضاء بالمحكمة، التي ليست لديها شرطة خاصة لتنفيذ أوامر الاعتقال، وكما قال رئيسها بيوتر هوفمانسكي، التنفيذ متروك للمجتمع الدولي، وروسيا لا تعترف باختصاص المحكمة، ولم تنضم لعضويتها، بل سحبت توقيعها على نظام روما الذي تم بمقتضاه إنشاء المحكمة في العام 2000م،
وصفت روسيا المذكّرة بأنها شائنة وغير مقبولة ولا قيمة لها، وأنها مثلها مثل معظم دوَل العالم لا تعترف بالولاية القضائية لهذه المحكمة التي تخضع لنفوذ الدول الغربية. وفي الوقت الذي هلَّلت أوكرانيا ودوَل الغرب للقرار، وقال عنه وزير الخارجية الأوكراني: أخيرًا، عجلة العدالة تدور، ووصف المدَّعي العام الأوكراني القرار بأنَّه تاريخي بالنسبة لأوكرانيا والنظام القانوني الدولي، وبداية طريق طويل لتحقيق العدالة. سخر ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي من القرار على حسابه بتويتر، وقال لا حاجة لأن نشرح أين ستستخدم هذه الورقة؟! مضيفًا رمزًا تعبيريًّا «إيموجي» عبارة عن لفَّة ورق حمام في نهاية تغريدته، في إشارة لعدم وجود أيِّ قيمة للمذكّرة. وسخرت مفوضة حقوق الطفل الروسية ماريا لفوفا التي صدرت بحقِّها هي الأخرى مذكّرة توقيف من نفس المحكمة، وقالت: من الجميل أن المجتمع الدولي قدَّر عملنا لمساعدة أطفال بلادنا، وأننا لم نتركهم في مناطق العمليات العسكرية وأخرجناهم منها، وتعدَّى الأمر إلى تهديد مديرة محطَّة تليفزيون روسية أي دولة تجرؤ على توقيف بوتين بموجب مذكّرة لاهاي، متوعدة.. ستستغرق الرحلة إلى عاصمتها أقل من ثماني دقائق. وطالب قانونيون روس بتحديد هوية قضاة المحكمة الجنائية الدولية الذين أصدروا القرار، لاتخاذ إجراءات رد قانونية محتملة بحقِّهم في المستقبل.


محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري