في وقت ما خلال عمليات الإغلاق الوبائي (جائحة كوفيد-١٩)، ألَمْ يأتِ حينها بخيالك: ماذا لو كنت جارًا مع جميع أصدقائي؟ كل يوم، بينما كنت تقوم بالمشي لمسافات طويلة لتقف بعدها عند عتبة صديق واحد، ألَمْ يأتِ بخاطرك تلك المتعة المحتملة لشبكة من الأصدقاء أقرب جسديًّا لك. ألَنْ يكُونَ من الرائع وجود شخص يُمكنه الانضمام إليك في نزهة في أيِّ لحظة؟
والحقُّ يقال أن نحاول أن لا يكون هذا مجرَّد حلم. أوَلَيْستْ قرانا ومعظم ولايات سلطنة عُمان تحكي هذا النموذج الجميل من التكاتف والألفة، والذي ـ أجزم هنا ـ أنَّ التقارب في السكنى له هو إحدى ثماره. لذلك ربما يمكن للأصدقاء الذين يعيشون بالفعل في نفس المدينة أن يقرروا التحرك على مسافة قريبة من بعضهم البعض ـ نفس الحي أو المبنى السكني ـ وأن يقوموا بحملة لكي يفعل الآخرون الشيء نفسه. من المحتمل أن يتطلب القيام بذلك بذل الكثير من الجهد في البداية، لكن المجتمع الناتج يمكن أن يحقق مكاسب عاطفية لسنوات... أوَلَيْسَ مجرَّد معرفة أنَّ شخصًا ما تعتزُّ به قريب قد يكون مطمئنًا. كلَّما تعمقنا في الفكرة، أصبحت مقتنعًا أكثر: أنَّه يجب أن نعيش جميعًا بالقرب من أصدقائنا!
ومع ذلك، يتوقع وبشكلٍ تقليدي من الشباب أن يركزوا على حياتهم المهنية، والزواج، وتكوين أُسرة. قد يبدو وضع هذه الطاقة في تنسيق حركة ما مع جميع أصدقائك المقرَّبين غريبًا، ولكن ربما القيام بذلك قد يكون مفيدًا لك. وواقعيًّا يرتبط وجود أصدقاء داعمين بسعادة أكبر يومًا بعد يوم وعمر أطول، بل ويرتبط أيضًا بانخفاض مستويات الاكتئاب والتدهور النَّفسي مع تقدُّمنا في العمر.
فعندما يصبح شخص ما أكثر سعادة، تزداد فرص جيرانه المجاورين في زيادة السعادة أيضًا بِنِسَب متفاوتة. ومن المرجح أن يشعر الأصدقاء الذين يعيشون على بُعد ميل واحد من بعضهم البعض بالسعادة بنسبة أقل قليلًا وهكذا. بمعنى أن تعيش حول الأشخاص الذين يجعلونك سعيدًا.
أمَّا إذا ما نظرنا من الناحية اللوجستية، فقد يبدو الاقتراب من جيرانك أسهل من اختلاق القرب من الأصدقاء. لكن من المعقول تريد أن يكون الأشخاص الذين تحبهم بالفعل بالقرب منك. حقيقة لا أعتقد أن هناك أيَّ خطأ في ذلك. ألا تفتقد أصدقاءك الذين عرفتهم منذ عشر سنوات، وتريد صدقًا التمسُّك بهذه العلاقات والحفاظ عليها.
ختامًا، نعي أنَّ الكثير من الناس على استعداد للانتقال إلى وظيفة جديدة، ليحصلوا على مكسب ما. فلا ينبغي أن يكون الاقتراب من الأصدقاء مختلفًا. فالأصدقاء ليسوا عرضًا هكذا في حياتنا، بل إنَّهم ضرورة نلتمس من خلالهم جمال الحياة. فلماذا لا تقصر المسافة بينك وبينهم؟


د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]