فرضت التجارة الإلكترونيَّة مؤخرًا نَفْسها كإحدى أهمِّ الأدوات التجاريَّة في العالم أجمع، خصوصًا مع تطوُّر التقنيَّات الحديثة وظهور مواقع ذائعة الصِّيت على مستوى العالم، أكسبت تلك المعاملات التجاريَّة ثوبًا من الثِّقة لَمْ يكُنْ يتصوَّر أحَد أنَّه سيتطوَّر بهذا الشَّكل السريع، لدرجة أنَّه أضحت تلك التجارة التي تتمُّ عن بُعد واحدة من أهمِّ المرتكزات الأساسيَّة في عالم الاقتصاد بأكمله، حيث تتميَّز التجارة الإلكترونيَّة بأنَّها قادرة على تخطِّي الحدود الزمنيَّة والمكانيَّة بمرونة فائقة، ما جعلها تنمو بسرعة هائلة، مدعومةً بتواصل الابتكارات وطلبات العملاء في النُّمو التقنيِّ والذكاء الاصطناعيِّ، والتعلُّم الآليِّ، وإنترنت الأشياء، وغيرها من الابتكارات التي باتت تُمكِّن المؤسَّسات والشركات والأفراد من تلبية متطلباتها بشكلٍ أكبر مهما اختلفت تلك المتطلبات.
وفرض هذا الانتشار الواسع للتجارة الإلكترونيَّة، والتحوُّل العميق في بيئة الأعمال التجاريَّة الذي نشأ منذ ظهورها، خصوصًا وأنَّها تتَّسم بالسرعة وسهولة إنجاز المعاملات، ضرورة وضع لوائح وضوابط وطنيَّة تنظِّمها داخل حدود الدوَل، ضوابط تحمل مستوًى عاليًا من الأمان لأطرافها، سواء البائع أو المستهلك، خصوصًا مع الدَّور الاقتصاديِّ الحيَويِّ الذي تؤدِّيه في فتح أبواب الصادرات على مصراعَيها، حيث يُتيح هذا النَّوع من التجارة فرصًا كبيرة للمنتَج المحلِّي في الانتشار محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، بتكلفة تسويقيَّة بسيطة، بما يناسب بشكلٍ أكثر منتجات المؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة، لذا أصبح إيجاد لوائح تنظيميَّة ضرورة فرضها الواقع الجديد بشكلٍ يسمح لمزيدٍ من النُّمو لتلك المعاملات التجاريَّة.
وفي هذا السِّياق وتماشيًا مع أهميَّة هذا النَّوع من التجارة، تبدأ وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في الرابع والعشرين من مارس 2023م تطبيق لائحة تنظيم مزاولة نشاط التسويق والترويج على المواقع الإلكترونيَّة ووسائل التواصل الاجتماعيِّ، الصادرة بالقرار الوزاريِّ رقم (619/2022) في الخامس والعشرين من ديسمبر 2022م، حيث تهدف اللائحة إلى تنظيم نشاط التسويق والترويج لكافَّة المنتجات والسِّلع والخدمات من خلال وسائل التواصل الاجتماعيِّ؛ وذلك من أجْل حماية التاجر والمستهلك، وتوفير الحماية اللازمة لتعاملات التجارة الإلكترونيَّة وحفظ حقوق المتعاملين. وقد أمهلت اللائحة الجديدة المخاطَبين بأحكام لائحة تنظيم مزاولة نشاط التسويق والترويج، على المواقع الإلكترونيَّة ووسائل التواصل الاجتماعيِّ، مدَّة لا تتجاوز ستَّة أشهر لتوفيق أوضاعهم من تاريخ العمل بها.
وتُنظِّم اللائحة الجديدة عمليَّات تسويق أو ترويج أيِّ سلعة أو خدمة بمقابل أو بدُونِ مقابل، ويُستثنى من الحصول على الترخيص الأشخاص الذين يمارسون أعمالًا غير ربحيَّة كالأعمال الخيريَّة والتطوعيَّة، ويتمُّ الحصول على ترخيص نشاط «التسويق والترويج على المواقع الإلكترونيَّة ووسائل التواصل الاجتماعيِّ» من خلال الدخول إلى بوَّابة «استثمر بسهولة»، عَبْرَ الخدمة الذاتيَّة أو مراكز تقديم الخدمة، وإنشاء سجلٍّ تجاريٍّ جديد أو اختيار سجلٍّ تجاريٍّ نشط، ثمَّ اختيار خدمة تراخيص السجلِّ التجاريِّ واختيار النشاط وتعبئة البيانات وإرفاق المستندات، وكذلك اختيار مدَّة الترخيص وتكون من سنة إلى ثلاث سنوات، وسيصدر الترخيص تلقائيًّا بدُونِ الحاجة لموافقات أخرى، وذلك للتسهيل في بدء أعمالهم التجاريَّة.
لا رَيْبَ أنَّ هذا التنظيم سوف يقضي أو يحدُّ من عمليَّات الاستغلال والاستفراد لدى بعض المُروِّجين تجاه التجَّار، ولكن كان من المُهمِّ أيضًا أنْ تراعي اللائحة التوزيع العادل أو تنظر بطريقة ما في كيفيَّة إفادة الوسائل الإعلاميَّة الورقيَّة التي باتت تُعاني من شحِّ الإعلان، وتُناضل من أجْل الاستمرار وتأمين لقمة العيش الكريم للعاملين بها.