- بين الشغف والقلق وزجاجة الرحيل

كتب ـ خالد بن خليفة السيابي:
تصوير ـ سعيد البحري:

افتتح مساء امس الأول ببيت الزبير المعرض الضوئي ( على سفر) للمصورين الدكتور عبد المنعم الحسني وداليا البسامية، بحضور عدد من أصحاب المعالي والمسؤولين في سلطنة عمان، ونخبة من الفنانين في مجالي التصوير والفن التشكيلي؛ كالفنانين أنور سونيا وموسى عمر وأحمد البوسعيدي وإدريس الهوتي وفهد المعمري وعدد من الفنانين من جنسيات مختلفة عربية وعالمية، وشهدت أروقة بيت الزبير حضور عدد كبير من محبي وعشاق التصوير الضوئي. ضم المعرض 31 عملا فوتوغرافيا 15 عملا لكل فنان وعملا مشتركا لهما تحت مسمى(على سفر) وحملت أعمال كل فنان عناوين متنوعة تدل على تفاصيل المشهد والعمل الفني ولو تطرقنا إلى بعض أسماء أعمال المصور عبد المنعم الحسني: ( مدينة )، و(احتمالات المرايا)، و(مشوار)، و(نفق)، و(أنا بخير)، و(صورة كتابة). أما الفنانة داليا البسامية فقد عنونت بعض أعمالها كالتالي: (الحلم التأويل)، و(حصاد المسافر)، و(الغريب)، و(أجنحة في ضباب الوقت)، و(سكون)، و(ملامسات الحنين)، و(أجراس الفراغ).
وعكست الأعمال المعروضة عبقرية الفكرة لدى المصورين ورصانة التنفيذ، وامتدت أعين الحضور مع تفاصيل الأعمال الضوئية التي أحتضنتها أروقة المعرض، حيث تعددت المشاهد وسردت تفاصيلها للمتلقي كرواية من ضوء أشبع من خلالها الحضور ذائقته الفنية.
يحمل المصور الدكتور عبد المنعم الحسني في أعماله، عدسة مكبرة لنرى من خلالها تعرج خيوط البروق والزجاج المتشظي والجزئيات الصغيرة، والقطع الكولاجية التي تتشكل منها روح الكائن، سبقنا لها كمصور، ثم دخل في تشظياتها كشاعر، وخرج منها كالعائد من خواتيم الأساطير القديمة بضوء الحقيقة المقدس حاملا لمعان التفاصيل لنرى النقطة العمياء في المعنى والطريق، في أعماله انكشاف على التداخل الذي يقسم الحقائق والأفكار إلى قطع ذات أوزان نسبية متفاوتة.
وللمصور (الحسني) حكمة مفادها: لا تنظر إلى الصورة كاملة بل أنظر إلى الجزيء المكون منها، قطعة قطعة تصبح الصورة مكتملة،ولا تؤمن بالجزيء الضئيل بل ابتعد مسافة كافية وتأمل ثقة الصورة وكبريائها، صورة صورة تصبح الحقيقة مكتملة،وحقيقة تلو حقيقة يصل الإنسان إلى محطته ولقبه الأخير : المسافر الذي يحمل في حقائبة قصص الأشجار،وضحكات أطفال المحطة،وأغاني الليل ووردة الحبيبة. وحين تتأمل القرآن الكريم فتقرأ في سورة (النور) قول الله تعالى (المصباح في زجاجة)، تعلم يقينا لماذا اختارت الفنانة داليا أن تضع المسافر في زجاجة الرحيل، فهو الضوء المترائي من خلف غبار الزمن، الذي يشف من وراء شلال السديم، لهذا الزمن إنسانه الموزع في الحقائب،والغاية هي الطريق،والوصول هو المسافات، فلا يمكن لك أن تقرأ تفاصيل العابرين بخفة، كما تقول داليا هنا، لا لأنهم عابرون خلف ضباب اللغة ودخان العبارات الكثيف، بل لأنهم الزمن ذاته، بكل غموضه وجلاله وهوائه وروحه وريحانه، تطرح أعمالها الأسئلة وتمضي، فتترك لنا فرصة اختيار الكلام والرحلة والوجهات والواجهات، من أين يبدأ السفر إذا كان الغريب لا يقرأ حكمة المطارات؟ ماذا تضع في حقيبتك أولا: الوداع أم أغنية المهاجر ؟ من ستنسى عند أول بوابة: المديح أم المراثي المهذبة؟ الفراغ الذي ستتركه خلفك ستأكله الطيور المرحة، كيف ستقوى على تفويت النظر لهذا المشهد؟ وأخيرا، الذين استندوا على حائط بانتظار النداء الأخير من سيقنع الحائط بأن النداءات بريد الغرباء؟.