لم أملك إلا أن «أفرك» عينيَّ وأنا أشاهد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مبتسمًا، وهو يجلس على مدرجات ملعب رياضي صيني في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة الــ(أولمبياد) في الصين: فقلت في دخيلتي هل يعقل أن «يطير» الرئيس بوتين من موسكو إلى الصين لمجرَّد مشاهدة مباراة رياضية؟
وقد كان تساؤلي في وقتها مبررًا، كما عكست الأحداث الجسام التالية: لم يكن حضور الرئيس بوتين تلك المباراة بريئًا، كما توقعت: فلا بُدَّ من أنه كان يخطط لشيء ما، شيء مهم استدعى حضوره شخصيًّا لمقابلة الرئيس الصيني الذي أصبح دوره الدولي مفتاحيًّا وحاسمًا اليوم، مرتكنًا على حقيقة أن بلاده غدت أكبر دولة في العالم سكانيًّا، ومن أهم دول العالم اقتصاديًّا. وقد تتالت الأحداث على المسرح الدولي بعد ذاك لتدعيم فرضيتي التي تفيد بأن «ابحث عن أذرع الصين الخفية في كل قضية ساخنة عبر العالم!»
أما الآن، وقد مرَّت سنة كاملة على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فقد أخذت ملامح الصورة على المسرح الدولي تكتمل، مؤشرة بشكل واضح، دور الصين المحوري في جميع قضايا العالم الساخنة، خصوصًا بعد تقهقر دور موسكو، قطبًا دوليًّا ثانيًا، أمام الولايات المتحدة الأميركية، في تقديري.
والحقُّ، فإن الخوف من التنين الصيني الأصفر ومن إمكاناته غير المحدودة آخذ بالتعاظم على نحو مطَّرد عبر العالم الغربي، وفي مراكز اتخاذ القرار بالولايات المتحدة الأميركية بخاصة. بل إن هذا الخوف من إمكانات الصين ونياتها ينذر بما لا تحمد عقباه! إذا ما افترضنا أن التأييد الصيني لموسكو، في صراعها مع الناتو بأوكرانيا قبل سنة كاملة، لم يكن يرتكن إلى اتفاق مبدئي محوره أن تأييد الصين ودعمها روسيا في أواسط أوروبا (أوكرانيا، خاصة) إنما يُشكِّل ـ في تقديري ـ جزءًا من تفاهم روسي صيني مفاده السكوت على ضم الصين لجزيرة تايوان (الصين الوطنية) بعملية عسكرية كبرى أشبه بما فعلته روسيا في أوكرانيا على حين غرة.
والحقُّ، فإن هذه السُّحب التراكمية السوداء هي التي تظلل صورة المشهد الدولي الراهن بكل ما يعتوره من تكهرب ومخاوف أشبه ما تكون بتلك التي تستبق وترافق نشوب الحروب الكونية الكبرى، وأخطرها ظاهرة التحالفات الكبرى. إن الصين تعتلي منصَّة المرتبة الثانية، عسكريًّا واقتصاديًّا، وهي تدرك جيدًا بأنها إنما تتنافس أمام «عدو» قوي، هو الولايات المتحدة الأميركية (ومعها حلفاؤها في الناتو) على مفترق طرق قد لا يقود إلَّا إلى ما تخشاه البشرية من ارتطامات عسكرية كبرى من النوع الذي يغير شكل العالم الآن وإلى الأبد!



أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي