لا تألو سلطنة عُمان جهدًا في تعزيز العمل العربي والإسلامي المشترك عبر دعمها لقضاياه وتذليل العقبات التي تعترض التقارب بين كافة الدول العربية والإسلامية، والسعي للإصلاح وحل المشكلات والأزمات بين الدول، الأمر الذي جعلها محبة للجميع من خلال سياساتها الثابتة والشفافة والهادفة دومًا لجعل العالم يعيش في أمن وأمان ورخاء، وأيضا بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهو ما تؤكد عليه دومًا وتسعى لوضعه على أرض الواقع. وبالأمس القريب سعت لتقريب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالإضافة إلى الجهود العراقية، ولسلطنة عُمان من المواقف السياسية والإنسانية ما لا تعد ولا تحصى، وهي مبادئ عُمانية سامية وركيزة يحث عليها سلاطين البلاد، إذ إن سياستنا الخارجية ثابتة لا تتغير وعلاقاتنا مع الجميع مبنية على الاحترام المتبادل والصدق والأمانة مع كافة الدول. ولمعالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية جهود معلنة وغير معلنة في تهدئة الأمور في المنطقة والعالم من خلال الرحلات المكوكية والاتصالات والتشاور مع نظرائه أملًا في أن يعم الأمن والسلام المنطقة والعالم كافة من خلال بناء الثقة والشفافية في الطرح، والمصداقية وتحفيز وتشجيع كل الأطراف للوصول لحلول مقنعة ترضي الجميع على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، لأن التهدئة وحل الخلافات سيكون له مردود على كافة الدول المجاورة والبعيدة.
وبما أن الصراعات والحروب والأزمات تتسارع وتتجدد هنا وهناك لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية، فضلًا عن الضغوطات الخارجية، فإن السلطنة بقيت على سياساتها المتزنة مع جميع الدول والشعوب، من خلال سياسة الأبواب المفتوحة، خصوصا الدول التي تربطها بها علاقات وثيقة وطيبة لترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين الأشقاء والأصدقاء بعيدًا عن الحروب والتراشق الإعلامي وخلق الصراعات.
فسلطنة عُمان تؤمن بأن الأزمات العربية والإسلامية لا تحل من خارج الصندوق، بل بالجلوس والتفاوض، كعرب ومسلمين إلى طاولة المفاوضات، ومناقشة الخلافات من كل جوانبها، للوصول لنقطة الالتقاء وبتوافق ومساعدة بعضنا بعضا في السراء والضراء، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا كعرب ومسلمين.
اليوم، مع التقارب والاتفاق السعودي الإيراني، نأمل برؤية تحرك خليجي آخر لحل الخلاف القطري البحريني والأزمة المغربية الجزائرية، والخلاف السوري التركي لرأب الصدع وحل أي خلافات تعترضها، وتستقر لبنان وأن تعود سوريا لمكانتها، وأن تتحرك الدول العربية كل حسب علاقاته في هذا الإطار، حتى تتفرغ الدول لأمنها واستقرارها ومصالحها، فرسالة عُمان ما قبل الإسلام وبعده، هي مساعدة الآخرين انطلاقا من إيمانها الراسخ بعدالة وحقوق الدول والشعوب أن تعيش في أمن ورخاء. والاتفاق السعودي الإيراني الذي أسهمت الصين فيه أيضا واستضافته، وكما أكد معالي وزير الخارجية السعودي سيعزز من «أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، ويدعم مسيرة العمل الإسلامي المشترك». فليس من المستغرب ولا من المستبعد أن تتدهور العلاقات بين الدول لفترة أو لأخرى، ولكن استمرارها دون حل يؤثر على كل الأطراف، واليوم نأمل أن تحل الخلافات العربية والإسلامية الأخرى، وأن تفتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة بين الجميع. فسوريا دولة عربية شقيقة، واستقرارها من استقرار الوطن العربي، وكذلك لبنان واليمن وليبيا، وعليه فإننا نعتقد بأنه حان الأوان لاتخاذ خطوات إضافية وتحركات سياسية من بعض القادة العرب للمِّ الشمل العربي والإسلامي، لتكون استكمالا للاتفاق السعودي الإيراني وتوحيد الصفوف أمام التحدِّيات الخطيرة القادمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية والثقافية التي تتعرض لها المنطقة العربية بشكل عام. ومن هذا المنطلق تسعى سلطنة عُمان وبعض الدول الشقيقة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والتخلي عن المواجهة العدائية والتفرغ للبناء والتنمية وخلق ثقافة التعاون والتكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري ومواجهة التحدِّيات والأزمات العالمية المتلاحقة. ستبقى سلطنة عُمان ـ ولله الحمد والمنَّة ـ قلعة محبة للسلام والحوار والتفاوض وتقريب وجهات النظر دون ضرر ولا ضرار، ودولة حياد ومحبة للجميع، ولكون الاتفاق السعودي الإيراني تم التحضير له من خلال سياسة تحريك المياه بهدوء دون إعلام ودون صخب تم بحثه في كل من مسقط وبغداد وتُوِّج في بكين، نأمل أيضا من أهل الخير والحكماء وقاداتنا العمل على حل كل الإشكاليات والأزمات بين المتخاصمين العرب قبل انعقاد القمة العربية القادمة لتكتمل الصورة ونكون على قلب رجل واحد في الحرب والسلم.. والله من وراء القصد.



د. أحمد بن سالم باتميرا
[email protected]