- أهمية تعزيز الهوية الوطنية فـي نفوس الناشئة

ـ إعادة النظر فـي بعض السلوكيات الاجتماعية وتجديد لغة الحوار بين الأجيال

استطلاع ـ سليمان بن سعيد الهنائي:

غرس الانتماء والمبادئ والقيم النبيلة والحفاظ على الهوية في ظل تحديات الحياة العصرية، تحتاج الى إعادة ضبط المنظومة المجتمعية وترسيخ الجوانب المحفزة المتمثلة في تأطير النظم وسن القوانين التي تتواكب مع المرحة القادمة فالوقت الذي يقضيه أبناؤنا وبناتنا امام مواقع التواصل الاجتماعي، فترات متواصلة، دون وجود رقابة ذاتية أو أسرية أو مجتمعية لا يجدون من يوجههم أو يتدبرون ما يشاهدونه، والبعض منهم لا يتقيدون بعاداتنا وأعرافنا الاجتماعية، في طريقة ارتداء الملابس المحتشمة في الاماكن العامة أو المساجد. (الوطن) التقت بعدد من الواعظين والمرشدين والأكاديميين للحديث حول هذا الأمر.

ثقافة وتصورات
يقول الشيخ عبدالله بن علي الشحري باحث في الشؤون الإسلامية إن مفهوم الانتماء سابقا كان يتضمن كل ما نحمله من ثقافة وتصورات عن الحياة والأسرة، ويتم تشكيله وبناؤه داخل المجتمع ونحرص على نقله بشكله النقي، دون أن نخاف من الانفتاح على الحياة العصرية الحديثة، فيرث الأبناء كل جميل عن الآباء دون قلق من الجديد لأنه يؤخذ منها الجديد النافع مسترشدا في حديثه عندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يشير إلى مجتمع يحمل منظومة قيم وأخلاق عالية أشار إلى المجتمع العماني فقال عليه الصلاة والسلام:» لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك» هذا الحديث الذي يعكس المستوى القيمي والأخلاقي العالي والراقي السائد في الثقافة العمانية.
‏أما عن المتغيرات والعولمة في عصرنا الحالي أوضح الشحري بان العالم تحول الى قرية صغيرة متصلة بعضها ببعض يطلع كل إنسان على ما عند حضارة الاخر، وهذا الامر كما أن فيه إيجابيات كالتعارف والاستفادة العلمية والمعرفية، إلا أنه بكلِ أسف يحمل كذلك إشكاليات خطيرة من أشدها ضياع بوصلة الهوية وضعف الانتماء بسبب أفكار دخيلة صيغت بطرق أخرى في قالب جميل أو ممتع تتسلل إلي القناعات لديه وهذا ما اكدته الدراسات والبحوث من الناحية العلمية والدليل على ذلك جلوس الفرد على الهاتف بالساعات أمام شبكات التواصل هذا له تأثير مباشر وتغيير على المستوى الفكري والثقافي، هنا يكمن التحدي أمام المجتمع والمؤسسات التربوية والإعلامية والأسرية نحن بحاجة إلى وقفة جادة وسليمة تمكننا من الاستطاعة ان نعبر بأبنائنا وبمجتمعاتنا إلى بر الأمان في إطار متزن نحافظ في نفس الوقت على ثوابتنا ووطنيتنا وهويتنا وثقافتنا.
‏ ‏واكد ان أهمية الانتماء للوطن والعادات والقيم النبيلة والهوية في نفس الوقت تحتاج الى توازن، بحيث لا نفصل أبناءنا عن واقعهم المعاش ومصداقا لقوله تعالي (وَكَذَلِكَ جَعَلْنكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) الوسطية أن نتمسك بهويتنا ونغرس القيم وبناء الذات للفئات الناشئة والشابة وفق أطر تتوافق فيها جميع المؤسسات التربوية والقانونية والإعلامية والدينية والأسرية.
فيما أوضح الدكتور صالح بن سعيد الحوسني المدير العام المساعد والإرشاد لشؤون البحوث الدينية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية انعم الله سبحانه وتعالي على الانسان بأنعم كثيرة لا تحصى ومن هذه النعم التي انعم بها، هي نعمة اللباس يقول الله تعالي (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًاۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ ) وأيضا يقول الله سبحانه وتعالي «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد» موضحا ان اللباس هو دليل وعنوان على صاحبه ومن المناسب أن يلبس الانسان ما يتناسب مع الفطرة ومقبولا عند عرف الناس، ويختلف عن الطعام الذي يتيح للإنسان ان يأكل ما يشاء حسب رغبته وميوله.

إطار عام
وأضاف (الحوسني): اللباس يجب ان لا يخرج عن الإطار العام وله ضوابط تحكمه وعليه الالتزام بها، وان يبتعد عن وساوس الشيطان الذي يحرضه عن عدم طاعة ربه، وهناك دليل واضح عندما قام الابوان أدم وحواء بالأكل من الشجرة يقول الله تعالي ( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَة) وفي ذلك إشارة الى الانسان إذا ما نزع عنه اللباس فإن هذه الفطرة السوية تدعوه الى ان يستر سوءته وان لا يظهرها للآخرين رغم محاولاته الخبيثة الناتجة عن التفسخ من القيم والأخلاق والمبادئ، طالبا منه إظهار عوراته ويقول الله سبحانه وتعالي محضرا من كيد الشيطان (يَبَنِى ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَىكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)
واكد: ان اللباس في الاسلام له ضوابط تحكمه تبدأ عند الرجال من السرة الى الركبة فلا يجوز ان يظهر ما كان محرما عليه أمام الاخرين، أما عند المرأة يجب ان تستر جميع بدنها أمام الاجانب ما عدا اليدين والكفين بعيدا عن التشبه بالجنس الاخر وهناك آيات قرانية تحث على الضوابط يقول الله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ» وأيضا (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)
وبين الدكتور صالح الحوسني بأن فتنة اللباس من أعظم الفتن، هنا عند خروج المرأة بكل مفاتنها أمام الاخرين فهي تكون وسيلة للتحرش بها امام ضعاف النفوس والأوغاد وهذا يختلف مع المرأة التي صانت نفسها وعرضها بالملابس المحتشمة ويجنبها الكثير من التداعيات غير اللائقة مضيفا ان هناك للأسف من يزعجهم الستر والعفاف والمروءة والاخلاق، حيث إنه لا يروق لهم هذا الوضع في ظل انتشار الكثير من التقليعات والموضات، فهي خروج عن الفطرة التي فطرها الله الناس عليها، بسبب البعد عن القيم والمبادئ والاعراف والتقاليد في بلدنا وعلينا التنبيه والحذر من الغزو الفكري .

قوانين رادعة
وشدد (الحوسني) على أهمية التوعية للأبناء من الجنسين الذكور والأناث بضرورة ارتداء اللباس المحتشم في كل زمان ومكان، فأهمية التربية عند الاطفال منذ الصغر تبدأ من المنزل في طريقة اختيار اللباس الساتر والحشمة، وأتباع العرف السائد في المجتمع والتقيد به مطالبا ان يكون هناك ضوابط في المدارس وفق أنظمة تشرع بها وتقديم الارشاد والتوجيه، وخاصة فئات الشباب التي تخرج عن الاطار المتعارف عليه وانه يجب ان تسن لوائح وقوانين رادعة لمن يخرج أمام الناس بلباس فاضح وغير ساتر وتجريم مثل هذه الافعال، حيث إنها لا تليق بمجتمعنا ولاتنبت له بصلة فهناك حالات بدأت تنتشر بين العامة حول ارتداء ملابس النوم في المساجد والأسواق العامة.

العالم الافتراضي
فيما عبر الدكتور حمد بن ناصر السناوي استشاري أول طب نفسي المسنين بمستشفى جامعة السلطان قابوس ورئيس الرابطة العمانية للزهايمر ان تعزيز الانتماء وغرس القيم من الأمور الضرورية جدا خاصة في الوقت الحالي مع انفتاح جميع أفراد المجتمع من مختلف الفئات العمرية على العالم الافتراضي و قنوات التواصل الاجتماعي والتي يروج البعض منها لسلوكيات غير سليمة، هذا التعزيز يجب ان تشترك فيه المؤسسات الاجتماعية الى جانب الاسرة عن طريق تذكير الافراد خاصة من فئة الشباب والمراهقين بالقيم والمبادئ الإسلامية بطريقة حديثة ومبتكرة تتناسب مع روح العصر ويمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك.
وأشار (السناوي) الى ان العالم الافتراضي له تأثير على مختلف افراد المجتمع، بعض هذا التأثير إيجابي مثل تسهيل التواصل بين الافراد من مختلف دول العالم و تسهيل نشر العلوم والمعارف و دعم المنتجات المحلية والمشاريع الفردية والصغيرة، لكن في نفس الوقت له جوانب سلبية مثل نشر ثقافات وسلوكيات دخيلة تتنافى مع القيم الإسلامية تأثيرها يمكن حصره في صناعة المحتوى يؤدي الى رغبة الافراد خاصة من فئة الشباب والمراهقين في متابعة كل ما هو عصري وحديث ومتقبل بين أقرانهم مما جعل العالم الافتراضي أكثر شيوعا و تقبلا للجميع الفئات العمرية
وأضاف الدكتور حمد السناوي: ان المجتمات الإسلامية والعربية ومن بينها المجتمع العماني يواجه العديد من التحديات في ظل الانفتاح على العالم الكبير وما يحتويه من مغريات و ترويج للحياة المادية والأفكار التي ينشر بعضها المعتقدات الأحادية والفكر الهدام الذي يؤدي الى تفسخ المجتمع و تهميش دور الاسرة و تعزيز مبدأ التفرد بحيث يصبح الانسان متمركز على اهتماماته و مصالحه دون الاهتمام بمن حوله مما يجعله فريسة سهلة للافكار والمعتقدات الهدامه
واكد (السناوي) على الضرورة إعادة النظر في بعض النظم الاجتماعية وطرق تجديد لغة الحوار بين الأجيال و تجنب أسلوب الامر والنهي المباشرين بل يجب الاستماع لوجهة نظر الطرف الاخر دون استهزاء او تهميش يجب ان نوقن بان منصات التواصل الاجتماعي تستخدم طرق مدروسة علميا في تحليل وفهم السلوك الإنساني ومن ثم استخدام نتيجة هذا التحليل في الترويج لفكر معين وهذا نراه في الإعلانات التجارية الموجهه لذا يجب التركيز على استخدام التكنولوجيا الحديثة في تسليح الجيل بالقيم والمبادئ الإسلامية

المسؤولية مشتركة
وقال هلال بن حمود الريامي مدير دائرة القرآن الكريم بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ان عملية غرس القيم النبيلة والحفاظ على هوية الفرد وانتمائه إلى المجتمع تعتبر مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق هذا الهدف تبدأ من الأسرة فهي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الأطفال القيم والمبادئ الأساسية. ولذلك يجب على الأسرة أن تعمل على غرس القيم النبيلة مثل الصدق والأمانة والاحترام والتسامح والتعاون، وتعزيز الانتماء للمجتمع والوطن. مؤكدا بدور الأسرة بأن تكون ذات قدوة حسنة لأبنائها فيما يخص السلوك والأخلاق والمدرسة دورها مهمًا في غرس القيم النبيلة وتحفيز الانتماء للمجتمع وتعزيز مفاهيم الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، وتعليم الطلاب كيفية التعامل مع الآخرين بأخلاق ومروءة وتعليم القيم الإنسانية وتعزيز التثقيف الديني لدى الفرد وتعليمه القيم والمبادئ الأساسية التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي وتوفير بيئة حاضنة في إقامة الفعاليات والأنشطة التي تشجع على الالتزام بالقيم والمبادئ الأساسية، وفق أطر وخطط وبرامج تهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الأساسية التي تحافظ على هوية المجتمع.
ونوه الريامي أن العالم الافتراضي أحدث تغييرات كبيرة في المجتمع أدى إلى انتشار استخدام الأجهزة الذكية والتطبيقات الرقمية بشكل واسع فكان له تأثير في تغيير الأنماط الاجتماعية مع تزايد عدد الأفراد الذين يفضلون التواصل والتفاعل الافتراضي على التواصل الحضوري كله ذلك يعود الى العولمة رغم لها تأثير المباشر من قبل وسائل التواصل الاجتماعي وما نلاحظه في ذلك رغبة الخصوصية عند العديد من الأفراد في البقاء مجهولين وعدم الكشف عن هوياتهم الحقيقية ربما يكون له تأثير إيجابي على الأنماط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ولكن في الجانب الاخر قد يؤدي أيضًا إلى تحديات جديدة يجب رصدها وتوجيهها التوجيه الصحيح السليم الهادف، اما عن النظم الاجتماعية أكد الريامي نحن بحاجة إلى إعادة النظر من نواحي عدة منها تربوية وتشريعية وقانونية ونحدث التغييرات اللازمة لتتوافق مع متطلبات الحياة الحالية بشكل متكامل، لبناء جيل مسلح بالتوجهات كافة والقيم الإيجابية، والذي يمكنه مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية بثقة واقتدار.

آليات التعامل
وأكدت غنية بنت حمود بن خميس الجرادية مرشدة دينية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، على أهمية غرس القيم النبيلة لدى النشء، والاطلاع على مجريات الحياة العصرية وكيفية التعامل معها بما يحفظ المجتمع من الانجرار خلف المغريات والسلوكيات الشاذة فالعبرة هُنا ليس بالانفتاح المطلق بل يجب علينا أن نكون أكثر تمسكا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضحة بأن ما نراه اليوم من بعض المشاهدات السلوكية الدخيلة فهي إن دلّت فإن تدل على تهاون أصحابها وتراخيهم في تطبيق التعاليم الإسلامية وذلك سببه التأثير الذي سببه العالم الافتراضي ففي نظري أن هذا الأمر يحتاج لوقفة جادة من أهل الاختصاص لدراسته دراسة عميقة ومعرفة أسبابه ووضع الحلول المناسبة له. وناشدت الجرادية الى أهمية إعادة النظر في آلية تطبيق النظم الاجتماعية من مختلف جوانبها، فالأجيال الناشئة والشابة بحاجة تعزيزها دينياً وإجتماعياً ونفسياً بما يتوائم مع التشريع الإسلامي وبما يواكب المستجدات العصرية، فثقافة تلقين القيم لم تعد تُجدي كما كانت في السابق أما عن الجانب الذي يجب التركيز عليه فحقيقة لا يمكن تحديد جانب دون آخر، فالإنسان بطبعه منظومة متكاملة ولا يمكن التركيز على جانب أكثر من الآخر، بل يجب النظر إلى الجوانب التربوية والتشريعية والقانونية كمنظومة متكاملة.