ينتظر المسلمون في العالم أجمع شهر رمضان المبارك بلهفة وشوق، لا ينافسه فيها أي شهر آخر من شهور العام. فهذا الشهر الفضيل الذي اختصه المولى عزَّ وجلَّ بفريضة الصوم، دون غيره من الشهور، وميَّزه بليلة هي خير من ألف شهر، تجعل منه فرصة سنوية للسُّمو الروحي والتقرب إلى الخالق جلَّ جلاله بالصلاة والدعاء؛ التماسًا للرحمة والمغفرة والعتق من النار، خصوصًا وأن سبحانه وتعالى قد جعل فريضة الصوم له دون سائر الفرائض والأعمال الأخرى التي أقرها الشرع، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عزَّ وجلَّ: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به..).
هذا الوعد الإلهي يعظِّم أهمية تلك الفريضة التي ترتبط دائمًا بما تحمله من خصوصية بين العبد وخالقه، فجميع العبادات تظهر بفعلها، إلا الصوم الذي لا يطلع على فعله إلا الله، فهو عبادة خفية لا يعلمها ويقدرها إلا الخالق، نظرًا لِما تحمله الفريضة من معاني الصبر والامتناع عن الشهوات، ومن التزام أخلاقي يكملها. فكما قال النبي الهادي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم). ففريضة الصيام كي تكتمل فلا بُدَّ أن يبتعد صاحبها عن المعاصي قولًا وفعلًا، لينال العطايا الربانية التي وعد بها المولى عباده الصائمين القائمين في هذا الشهر الفضيل.
ولعلَّ النعمات الإلهية لا تقتصر على الفرد، بل إنها بما تشمله من فراض وسنن مكملة للصيام، تعيد للعلاقات الاجتماعية بكافَّة أشكالها بريقها الذي انطفأ طوال العام؛ نتيجة ما فرضته الطبيعة المادية للحياة في عصرنا الحالي، وتصبح تراويحه ملتقى للأنفس التوَّاقة للقاء، وتصبح موائده العامرة فرصة لتجمع الأهل والأحبة والأخلاء، الذين فرض عليهم التجافي المكاني بفعل الانشغال، لتحل بركات شهر رمضان على الجميع ويصل الرحم ويقرى الضيف، لتعود للأنفس السعادة والراحة التي غابت في خضم المساعي وراء الرزق، ويكون فرصة لتوطيد العلاقات وإعادتها لسابق عهدها، فالصوم بمعناه الكبير هو نوع من التسامي النَّفسي، والشفافية الروحية، والاتصال الوجداني بالبارئ العظيم، وهو تدعيم لقوة الروح التي تسيطر على مادية الجسم.
وبجانب هذه المكاسب الكبرى يُشكِّل شهر رمضان فرصة كبيرة للاعتناء بالآخر، والأخذ بيد الفقير والمريض، فالنزعة الروحية التي تصل لأعلى ذروتها في هذا الشهر المبارك، لا بُدَّ أن ترتبط بإسعاد الناس ومساعدتهم بكُلِّ ما نملك من إمكانات، فهذا التعديل السلوكي الذي يرتبط به الصائم لا بُدَّ أن يكلل بالإسراع بالخير وتقديم يد العون لكلِّ محتاج، خصوصًا مع ما نشهده من ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها العديد من الأُسُر، لذا فيرجى عدم التبذير في المأكل، وعدم الشره الاستهلاكي، ليكُونَ هذا الفائض الذي سنوفره بوابة كبيرة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، في هذا الشهر الذي يستحب فيه صالح الأعمال، ولا أصلح من إعالة فقير، أو إغاثة مكروب، ليكُونَ رمضان بحق بوَّابة للجنة، رزقنا الله وإياكم صحبة نبيه الكريم فيها، وكلُّ عام وعُمان قيادةً وشعبًا بخير.