سواء كان الأمر يتعلق بتسلق جبل أو القيام برحلة في حديقتك المنزلية أو في الحديقة العامة، فإن المشي في الطبيعة له العديد من الفوائد الصحية البدنية والعقلية.
ومنذ أكثر من 2000 عام أعلن الطبيب اليوناني أبقراط أن المشي هو أفضل دواء، ومؤخرًا تم وصف المشي كأفضل نشاط بدني شبه مثالي، وفقًا للتجارب والدراسات؛ فإن للمشي في الطبيعة فوائد كثيرة في تعزيز جهاز المناعة، وتحسين مرونة المفاصل والعضلات والعظام، وتقليل مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
كما يمكن أن يساعد المشي في الحفاظ على وزن صحي وخفض ضغط الدم وضبط معدلات السكر في الدم؛ مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ولا تقتصر الفوائد الصحية على الفوائد الجسدية فحسب، بل إن للمشي في الطبيعة فوائد روحية تتيح الفرصة للتأمل والتفكر والاتصال بالذات العليا.
تذكر كاتبة أميركي تدعى (راينور وين Raynor Winn) أنها مرت بتجربة عسيرة في عام 2013م، بعد أن فقدت منزلها ووظيفتها وتلقت نبأ إصابة زوجها بمرض دماغي عضال يمكن أن يؤدي إلى الوفاة خلال مدة زمنية من 6 إلى 8 سنوات.
وهنا وجدت نفسها هي وزوجها في مواجهة مستقبل غير مبهم وغير مطمئن فاتخذا قرارًا مفاجئًا بالمشي لمسافة 1014 كيلومترًا والانغماس الكلي في الطبيعة بين شواطئ وصحراء وجبال، وبعد أن انتهيا من رحلتهما وثقت الكاتبة تجربتهما هي وزوجها في كتاب بعنوان:(مسار الملح) الذي صار من الكتب الأكثر مبيعا، وثقت فيه تجربتهما في المشي والقوة التحويلية التي أحدثها المشي في حياتهما.
تعافى زوجها (موث Moth) الذي كان بالكاد يستطيع أن يرتدي معطفه وأصبح قادرا على المشي والركض لمسافات طويلة.
وفي مسار مشيهم ساعدهم المشي على العثور على أمل تعويض كل شيء فقداه، وانتصرا على اليأس وأدركا بعد أن قطعا مسافة 320 كيلومترًا أن الشعور العميق بالألم والحسرة على ما فقداه ذهب وانتهى.
صار المشي علاجًا لأمراض جسدية وعقلية ونفسية، بل ويمارسه الكثيرون لإثراء تجاربهم الروحية ومواجهة مشاكل الحياة وتحدياتها، ويشعر جميع الذين يمارسون المشي الطويل في الطبيعة بأنه من بين الوسائل المهمة جدا لمراجعة الذات والتأمل والتفكر وإعادة النظر في الكثير من جوانب الحياة.
قبل كتابة هذا المقال بساعة واحدة كنت أمشي عبر أحد التلال المطلة على عين حمران، حركني شعوري للمشي بعد خروجي من المسجد وتجولي في حديقة بيتي، شعرت كما لو أن الطبيعة تناديني، وأحسست أن هناك اتصال حميمي بين الطبيعة بكل مكوناتها وبيني، فركبت سيارتي وقطعت مسافة 15 كيلومترًا ثم ركنت سيارتي في عين حمران ونزلت من السيارة لالتقاط بعض الصور للشروق وجبل ناشب الشاهق، شدتني أصوات الطيور وتنوع الأشجار والجو الجميل وبدأت أمشي وصعدت إحدى التلال ثم هبطت من ممر آخر، وطيلة المشي كان يغمرني شعور جميل ولطيف، وأحسست تناغمًا خفيًّا بين وبين الأشجار، كما لو كانت المسافة تطوي نفسها فأمشيها بسهولة ومتعة. وتذكرت فورًا مشواري في عام 2019 في جبل شمس، كانت المسافة طويلة نسبيًا والارتفاع شاهق، وبالرغم من ذلك شعرت بسهولة المشي ومتعة صعود الجبل. أستطيع تأكيد ما يذكره المهتمون بدراسة تأثير المشي الطويل في الطبيعة وشهود شروق الشمس والاستماع إلى الطيور والنظر إلى الكهوف والأشجار والمكونات الفطرية المختلفة، كل ذلك يحقق التوافق والسعادة وكثيرا من الرضا.



د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية