في هذه الآية إشارة إلى العلاقة الوثيقة بين اللغة والعقل؛ فالله ـ جلَّ في علاه ـ يقول:(أنزلنا قرءانًا عربيًا)، ثم قال:(لعلكم تعقلون)، وكذلك في بداية الزخرف:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
ووصف القرآن بالعربية لأنّ له التأثير الأكبر والمباشر في تكون العقل المفكر أصلمبدع المجتهد، فثراء اللغة الرصينة يساهم وبشكل فاعل في تنمية جميع أنواع الذكاءات (ذكاء لغوي، عاطفي، اجتماعي، بيئي..إلخ)، وثمة تناسب مطّرد بين جزالة اللغة والذكاء قد يصل إلى درجة العبقرية، فلغته تمكنه من اجتياز الجسور للعلوم الأخرى بسلاسة.
وما تمتاز به اللغة العربية عن غيرها أنها لغة ولّادة لها أصل ثابت وفروع سمائية تؤتي أكلها على الدوام، وهي المخزون الذي استطاع به علماء التفسير أن يواصلوا الإنتاج التفسيري التجديدي عبر العقل اللغوي الغاطس في أعماق القرآن العربي المبين ليستخرجوا منه اللؤلؤ والمرجان المعرفي.
ولغة التفكير تبدأ التشكل منذ الولادة وتبلغ الذروة في سن الثالثة، والطفل في هذا السن يسمى(جامع القاموس) ويلتقط مصطلحات وألفاظ عديدة يحرص على استخدامها في سياقات مختلفة سواء كان السياق مناسبًا أم لا، ولغة التفكير تكتمل في سن الخامسة تقريبًا وأما ما بعدها فتكون في الغالب مراحل ترتيب وتهذيب وزيادات وتصحيح للغة.
ولذلك وصّى النبي (عليه الصلاة والسلام) أن يكون أول ما يُتَعَلَّم من علم الله هو القرآن، ففضلا على هدايته فيه (77437) مفردة، وهي تشكل قاموسًا محيطًا كافيًا وافيًا يحلق به الجنان وينبري به اللسان، ليصبح صاحبه ذا شأن.


سامي السيابي
كاتب عماني ـ عضو بفريق ولاية بدبد الخيري