كلمة(أحدٌ) بالتنكيرهي اسمٌ لكلِّ مَنْ يصلح أن يُخاطَب، فإذا قلنا:(ليس في الدار أحدٌ) فيستوي فيه المفرد، والمفردة، وفروعهما؛ ولذلك ورد في القرآن الكريم قولهتعالى:(يا نساءُ النبيِّ لستُنَّ كأحدٍ من النساءِ..)، وفيه:(ما كَانَ محمدٌ أبَا أحدٍ مِن رِجالِكم)، و(أحدٌ) للمذكر، و(إحدى) للمؤنث،ويُقال في باب (العدد): عام واحد وستين، وسنة إحدى وستين، والعام الواحد، والسنة الواحدة، وأحد عشر كوكبًا، وإحدى عشرة جامعة، وأحد المشروعات، وإحدى الكليات، وأحد المستشفيات.
والفرق بين الواحِد والأحَد أن (الواحدَ) يمكن أن يُجَزَّأ، ويُقسَّم، نقول:(عندي منزل واحد، له خمسة طوابق، كل طابق فيه أربع غرف)، فيمكن تجزئته، وتقسيمه، ولكنَّ(الأحد) هو الذي لا أجزاء له، ولا قسمة فيه، ولا يمكن تجزئته؛ حيث قال اللهتعالى:(قل هو الله أحدٌ)، وفي حديث تعذيب سلمان الفارسي كان يقول لمعذبه الذي يطلب الاعتراف منه بالأصنام، والإقرار بوجودها، وتأثيرها:(أحدٌ.. أحد)، فهو الواحد الذي لا أجزاء له، ولا تقسيم فيه، ويدل على رسوخ عقيدته في ربه، وأنهم مهما فعلوا معه فسيظل على التوحيد الخالص، ويُقال في الكناية عن التفرد مع الرجال:(فلان أحَدُ الأحدين)، أيْ:(لا مثيل له)، و(فلانة إحدى الْإِحَدِ)، أي: لا مثيل لها، فهي نسيج وحدِها، و(أتى فلان بإحدى الإحَدِ) أي: بالأمر العظيم، أو بالأمر المنكر.
وتستعمل كلمة (أحد) على صورتين، أو ضربين؛ أحدهما في النفي فقط، والثاني في الإثبات، فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع، والافتراق، يُقال:(ما في الدار أحد) أي: واحد، ولا اثنان، فصاعدًا، لا مجتمعين، ولا مفترقين؛ ولهذا لا يصح استعماله في الإثبات؛ وذلك لأن نفي المتضادين يصحُّ، ولا يصح إثباتُهما، فلوقلنا على سبيل المثال:(في الدار واحد) لكان فيه إثبات واحد منفرد، مع إثبات ما فوق الواحد، مجتمعين، ومفترقين، وهذا ظاهر لا محالة، ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصحُّ أن يُقال:(ما من أحد فاضلين)، كقوله تعالى:(فما منكم من أحد عنه حاجزين)،والمستعمل في الإثبات على ثلاثة أضرب، الأول: في الواحد المضموم إلى العشرات، نحو أحد عشر، وأحد وعشرين، والثاني:أن يستعمل مضافًا، أو مضافًا إليه بمعنى الأول، مثل:(أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا)، وقولهم:(يوم الأحد) أي: يومُ الأول، ويوم الاثنين، والثالث: أن يستعمل مطلقًا وصفًا، وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى:(قل هو الله أحد)، وأصله وَحَدٌ، ولكن (وحد) يستعمل في غيره، كما في قول النابغة الذبياني:
كأنَّ رجلي وقد زال النهار بنا
بذي الجليل على مستأنَسٍ وَحَدِ
ولكنَّ المعجم الوسيط جمع بين معنيَيْ (واحد، وأحد) فقال:(..الوحدة الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له ألبتة، ثم يطلق على كل موجود، حتى إنه ما من عدد إلا ويصح أن يُوصَف به)، فيقال:(عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحد، فالواحد لفظ مشترك)، وراح يعدِّد استعمال لفظ (واحد)، وذكر فيها ستة أوجه، يمكن الرجوع إليها، إلى أن ذكر ما أكدتُهُ سابقًا بقوله:(وإذا وُصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزِّي، ولا التكثُّر، ولصعوبة هذه الوحدة، قال تعالى:(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة)، و(الوَحَدُ) المفرد، ويُوصَف به غيرُ الله)، ثم ذكر بيت النابغة المتقدم، وقال:(وأحد مطلقًا لا يُوصَف به غيرُ الله تعالى، وقد تقدم فيما مضى)، وذكر أنه من بلاغتهم أنهم يقولون:(فلان لا واحد له، كقولك:(هو نسيجُ وَحْدِهِ)، وفي الذم يقولون:(فلان عُيَيْرُ وحده، وجُحَيْشُ وَحْدِهِ)، وإذا أريد ذمٌّ أقلُّ من لك قيل:(هو رُجَيْلُ وَحْدِهِ).


د. جمال عبد العزيز أحمد
جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية
[email protected]