في كل سنة يتداول العراقيون فيديو لعائلة عراقية بسيطة يهاجمها الوحوش الأميركان في بداية الغزو عام 2003، ولا يُلغي مرور عشرين عامًا على هذه الواقعة إعادة مشاهدتها من قبل العراقيين وأعداد كبيرة جدًّا على مستوى العالم، اللقطات تمَّ تصويرها باحترافية عالية، بمعنى ثمة سيناريو مسبق وضعه قادة الجيش الأميركي لهذا الفيديو.
يبدأ الفيلم بهجوم تشنُّه قوة أميركية مدجَّجة بالأسلحة على بيت عراقي بسيط جدًّا، وكما هو معروف في جميع هجماتهم على منازل العراقيين، يبدأ الهجوم بقنابل لإثارة الرعب والفزع في قلوب الأطفال والشيوخ والنساء، وعندما يخرج شاب من البيت تنهال عليه الصرخات وفوهات رشاشاتهم مصوَّبة عليه، ثم تبدأ حالات الرعب في أعلى صُوَرها، يأمرون الشاب بالخروج وأفراد العائلة، حيث يركِّز المصوِّر الأميركي كاميرته المتطورة على وجوه الأطفال من الفتيات، ترتسم علامات الهلع والرعب على قسمات وجوههن، فها هو الجيش الأميركي يصل بكل قوَّته ليُلقي بكل قسوته وإجرامه على قلوب الأطفال العراقيين الذين يشاهدون هذا التجحفل الهائل من القوات مهاجمة النساء والأطفال بطريقة لا يمكن وصفها بالوحشية والإجرامية فقط، بل ومهما استخدمنا من عبارات وصفية لهذا الفعل المُقزِّز لما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
في أدبيات وصحافة وطروحات أميركا تجدون وبكثافة هائلة الحديث عن حقوق الحيوان، ثم يأتي الحديث عن حقوق الإنسان. لكن قبل هذا وذاك تجد كما لا يصدق عن حقوق الطفل، وتتنوع حقوق الطفل الثقافية والمعرفية والتعليمية والصحية والإنسانية، لكن ما وثَّقته المؤسسة العسكرية الأميركية في واحدة من مئات آلاف الجرائم في العراق، يكشف زيف كل تلك المزاعم وكذبها وكونها لا تعدو أن تكون دعاية رخيصة لأميركا ومن يطبل لها ويدافع عنها.
عند محاكمة صورة مثل تلك التي تضمَّنها هذا الفيلم الفيديوي الأميركي، فإننا نقف إزاء قضية أخلاقية كبيرة، مثلًا، ما الذي يمكن أن تقدِّمه هذه القوات من مزاعم وهي تقتحم بيتًا بسيطًا وتعرف أنه ليس ثكنة عسكرية ولا مخابئ يمكن أن تحتوي على أسلحة (دمار شامل)، وأن البلد قد انهار وليس ثمة ما يهدد هذه القوات الغازية التي قطعت آلاف الأميال لتحتل هذا البلد. عليه، فإن هذا السلوك قد تمَّ رسمه في دوائر صنع القرار العليا في واشنطن، وقد نبع بكل تفاصيله من أخلاق الأميركيين وسلوكياتهم، وأنهم جاؤوا للعراق لغزوه واحتلاله والبدء بمشروع «إذلال هائل» لهذا الشعب.
لكنَّ الرد جاء حاسمًا وسريعًا يحمل في ثناياه الغضب العراقي والرد الحاسم، فباشر المقاومون فورًا بالتصدي لهؤلاء ووثقوا الكثير من شجاعتهم وبطولاتهم المشروعة في أفلام ستظل وثائق ناطقة للرد العراقي على جرائم الغزاة.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]