لا شك بأنَّ المسرَّح من عمله وهو يحدِّث نفسه عمَّا فقده في حياته ـ والذي اعتاد مع كل يوم صباح يخرج من بيته متوكلًا على الله إلى مقرِّ عمله ليقتات يومه ويعمل ليعيش ويوفر حياة كريمة له ولعائلته ـ لسان حاله يقول: كيف لي أن أعيش وأوفِّر لقمة العيش لعائلتي وأنا أصبحت في عِداد المسرَّحين من العمل وقد تراكمت عليَّ الديون؟ ومطالبات الناس والبنوك على رقبتي، ناهيك عن طردي وطرد عائلتي من بيت الإيجار؟ فالحياة أصبحت صعبة وبعض المؤجِّرين لا يرحمون بمجرَّد التأخر في سداد مستحقات الإيجار لا يتوانون في إخراجي أنا وعائلتي من البيت.
كما أن البنوك لا ترحم فهي أيضًا تريد حقها نهاية كل شهر أسوة بالآخرين حتى وصول المسرَّح إلى المحاكم ثم وصولًا إلى قضبان السجون. من جانب آخر كثير من العوائل قد أصابها الإحباط والذي وصل إلى حالات الطلاق بين الزوجين بذات السبب، فمن خلاله تفكَّك الكثير من الأُسر وأصبح المُسرَّح بين مطرقة الشركة التي يعمل بها وسندان الديون. إن كبح جماح تسريح العمَّال المواطنين من أعمالهم على مَن يقع؟ وكيف يمكن للمجتمع التعاطي مع مثل هذه الحالات التي نراها كل يوم تزيد؟ لا بُدَّ من إيجاد الحلول المناسبة والتي تُعيد المُسرَّح من عمله إلى المكان الذي كان يعمل به في أسرع وقت، فحالة المُسرَّح المادية والاجتماعية وما نتج عن خسارته لعمله وعائلته بسببها لا يمكن التهاون فيه وعلى كافة أطياف المجتمع بمؤسساتها المدنية دراسة هذه الحالات، كما أن لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ متابعة دقيقة في هذا الموضوع وإشرافًا مباشرًا من لدنه وتوجيه المسؤولين بضرورة وقف تسريح المواطنين العُمانيين بقدر الإمكان، ناهيك عن تفضُّل جلالته ـ أيَّده الله ـ بإصدار المرسوم السُّلطاني بشأن نظام الأمان الوظيفي وصداه الكبير في نفوس المسرَّحين عن العمل في صرف مبالغ مالية لهم نهاية كل شهر لتعينهم على قضاء حوائجهم هم وعوائلهم حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وغلاء المعيشة حتى الحصول على عمل آخر يعيدهم إلى مقاعد العمل من جديد، ومواصلة الحياة كما كانت قبل التسريح وأفضل مما كانت. فالحكومة ـ ممثلة بوزارة العمل ـ لا تألو جهدًا في متابعة حالات التسريح والاجتماع بممثلي الشركات والنقابات العمَّالية التابعة لهذه الشركات ومعرفة أسباب التسريح وإمكانية إعادة المُسرح من عمله، ووجود حلول ولو مؤقتة للموظف العُماني العامل بالقطاع الخاص وتسوية أوضاعه لدى الشركة التي يعمل بها. فهناك عقد بين الموظف العُماني والشركة التي يعمل بها، فمعظم الشركات لا توضح ماهية تلك البنود التي يوقع عليها الأطراف قبل مباشرة العمل وقد يجهلها الموظف، ومنها مبهمة في نظره فيقع ضحية التسريح، وقد نرى أن بعض الشركات تعقد اتفاقية مع بعض الجهات الحكومية من خلال مشاريع تمتد لسنتين أو ثلاث سنوات وتوظف مواطنًا عُمانيًّا بعقد مؤقت حتى ينتهي العقد مع المؤسسة الحكومية ثم تسرِّحه دون إخطار أو سابق إشعار.
لذا أطالب مؤسسات وشركات القطاع الخاص بضرورة مراعاة ظروف العُماني العامل لديها لاعتبارات إنسانية واجتماعية ونفسية ومخاطبته قبل 3 شهور على أقل تقدير من انتهاء عقد المشروع المبرم مع الحكومة أو نقله إلى موقع آخر ليواصل عمله. فمن غير المعقول أن لا توجد عقود لهذه الشركات مع الحكومة وتبقى معتمدة على العقود الحكومية فقط، فالمواطن أيضًا لديه التزامات ومعتمد على راتبه الشهري الذي يتقاضاه من هذه الشركة العامل بها وليس لديه دخل آخر، كما أن على المعنيين متابعة الشركات الخاصة وإشعارها بوضع حدٍّ لتسريح العُمانيين من أعمالهم إذا ما أرادت إنهاء معاملات إجراءات التراخيص وتجديد العقود وأعمال التوريد لدى الحكومة بمختلف دوائرها ومؤسساتها.
وفق الله الجميع لِما فيه الخير والصلاح، وأن يعم الأمن والأمان والاستقرار ربوع هذا الوطن المعطاء، كما نتأمل أن تنتهي أزمة المسرَّحين من أعمالهم في أقرب وقت ممكن لِما فيه الاستقرار المعيشي لهم ولعوائلهم وللمجتمع كافة.


أفلح بن عبدالله الصقري
كاتب عماني