لا يمرُّ يوم إلَّا وتؤكِّد دولة الاحتلال الإسرائيليِّ أنَّها غير جادَّة في اتِّخاذ أيِّ خطوة تدعم التوجُّه نَحْوَ إيجاد حلٍّ شامل وسلام دائم مع الفلسطينيين. فالخطوات الميدانيَّة من قمع وإرهاب واقتحامات للمسجد الأقصى، سواء لقوَّات الاحتلال أو أذرعها الاستيطانيَّة الإرهابية، بالإضافة إلى مواصلة استخدام القمع المفرط ضدَّ الحقِّ الفلسطينيِّ في الاعتراض على تلك الممارسات الإرهابيَّة التي تمارسها العصابة الصهيونيَّة الحاكمة ضدَّ كُلِّ ما هو فلسطينيٌّ، وأخيرًا ما أعلنته دولة الاحتلال من السماح بإعادة الاستيطان شمال الضفَّة الغربيَّة، بعد إلغاء بنود في قانون «فك الارتباط» الذي أقرَّ وطبِّق عام 2005، والذي نصَّ في حينه على انسحاب قوَّات الاحتلال الإسرائيليِّ من قِطاع غزَّة وإعادة تموضعها على تخومه، وإخلاء أربع مستوطنات تقام على أراضي محافظة جنين، في شمال الضفَّة الغربيَّة.
لِيكُونَ التعديل الجديد إشارة عودة لعصابات المستوطنين، خصوصًا بعد إلغاء العقاب الجنائيِّ الذي فرض بموجب قانون «فك الارتباط» على مَن يدخل أو يقيم في تلك المستوطنات الأربع، الواقعة على أراضٍ فلسطينيَّة خاصَّة، بالإضافة إلى طرح عطاءات لبناء مئات الوحدات الاستعماريَّة الاستيطانيَّة الجديدة في القدس وبيت لحم والتي تُعدُّ جريمةً مخالفة لكُلِّ القرارات الدوليَّة، التي تعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه، لحين الوصول لحلٍّ نهائيٍّ شامل قائم على القرارات والقوانين الدوليَّة. لكن يؤكِّد هذا الكيان الغاصب على رغبته في سرقة الأراضي الفلسطينيَّة، خصوصًا مع الحكومة اليمينَّة الفاشيَّة الحاليَّة للاحتلال الإسرائيليِّ التي تسابق الزمن لتغيير هُوِيَّة القدس العربيَّة الإسلاميَّة وطابعها التاريخيِّ وتهويد المدينة وفصلها عن محيطها.
إنَّ تلك الخطوات الإسرائيليَّة الأخيرة والممارسات الميدانيَّة القمعيَّة تؤكِّد أنَّ تلك الدولة الغاصبة لَمْ تكُنْ جديَّة في الاتفاقيَّات التي نتجت عن اجتماعات العقبة والتي رعتها الحليفة واشنطن، حيث أقرَّت تلك الحكومة المتطرِّفة والأطراف الخمسة الحاضرة للاجتماع بأهميَّة الحفاظ على الوضع التاريخيِّ القائم، دُونَ تغيير، في الأماكن المقدَّسة في القدس قولًا وفعلًا، كما أكَّدت الحكومة الإسرائيليَّة والسُّلطة الفلسطينيَّة على استعدادهما والتزامهما المشترك بالعمل فورًا على وضع حدٍّ للتدابير أحاديَّة الجانب لمدَّة تتراوح بَيْنَ ثلاثة وستة أشهر، ويشتمل ذلك على التزام «إسرائيل» بوقف مناقشة أيِّ وحدات استيطانيَّة جديدة لأربعة أشهر ووقف منح التصاريح لأيِّ بُؤر استيطانيَّة لستة أشهر. ناهيك عن إعلان دولة الاحتلال الإسرائيليِّ الالتزام بوقف التصعيد الميدانيِّ. فمَن يحاسب دولة الاحتلال على هذا التصعيد المتعمد، وعدم الالتزام المستمر بأيِّ اتفاق أو حتى خطوات احتواء كما في بيان العقبة الأردنيَّة، الذي دعا إلى مواصلة تدابير بناء الثقة، وتعزيز الثقة المتبادلة بغرض معالجة القضايا العالقة من خلال الحوار المباشر؟ فهل الخطوات الإسرائيليَّة التي أعلن عنها تعطي أملًا لأيِّ فرصة لإحياء عمليَّة السلام؟ أم أنَّها خطوات تسعى إلى التصعيد المتعمد الذي سيقود المنطقة والعالم إلى حلقة من العنف، لا ينجو من تداعيتها أحدٌ؟ لذا فالمجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، بضرورة اتِّخاذ خطوات تتجاوز الإدانة وتدلُّ على جديَّة الموقف الدولي بفرض عقوبات على هذا الكيان بحكم أنَّ الاستيطان جريمة إنسانيَّة وانتهاك للمواثيق والقرارات الدوليَّة.