لا أدري لماذا يتعمد واضعو السياسات الاقتصادية في الدول الرأسمالية المخاطرة بمستقبل البشر بهذا الشكل الذي نراه مؤخرا؟ صحيح أنني لا بُدَّ أن أعترف في بداية المقال أنني لست خبيرًا اقتصاديًّا، ومعلوماتي عن الاقتصاد لا تزيد بأيِّ حال عن معلوماتي عن المفاعلات النووية، إلَّا أنني أدعي أنَّه لا يزال لي عقل يفكر يحاول لملمة المعلومات المبعثرة من هنا أو هناك، للخروج بتصوُّر شخصي في المقام الأول عن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي وصلت إليه المعمورة حكومات وأفرادًا. صحيح أن تلك المحاولات تصطدم دائمًا بمحاولات الاقتصاديين اللعب بالأرقام والمعطيات، وتحميلي شخصيًّا أسباب هذا الانهيار العالمي، وذلك جرَّاء ما اقترفته من آثام أثرت على اقتصاد العالم، جعلت التنمية العالمية محالة ليس في 2023 وحسب، لكنها ستنسحب على ما يليها من أعوام.
ولعلَّ مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا قد عبَّرت في كلمة ألقتها في بكين عن المخاطر التي تحدق بالاستقرار المالي العالمي، والتي قالت إنَّها (تزايدت)، داعية إلى مواصلة توخِّي الحذر رغم تحركات الاقتصادات (المتقدمة) لتهدئة ضغوط السوق، مؤكدة أن عام 2023م سيكون عامًا آخر مليئًا بالتحدِّيات مع تباطؤ النمو العالمي إلى أقل من ثلاثة بالمائة؛ بسبب تداعيات الجائحة، والأزمات السياسية، وتشديد السياسة النقدية، برغم أن تلك الأسباب التي ذكرتها المسؤولة في الصندوق المتهم الأكبر بحالة العبث الاقتصادي التي يعيشها الكوكب في العقود الأخيرة، هي نصائح الصندوق في الأساس، فالصندوق وتوجُّهاته الرأسمالية الجشعة، هو ما عمل على رفع نقاط الفوائد، والتي أثرت على حركة الأسواق، وقللت الفرص التجارية.
ولكي أثبت هذا الهراء الاقتصادي الذي نحياه جميعًا وبات يؤثر علينا بشكل كارثي، والذي أضحى لا يحتاج لخبير، فالمسؤولة تتحدث عن مخاطر متزايدة، رغم ما وصفته بالتحركات المتقدمة، لاحتواء أزمة البنوك، ولم يأتِ على بالها أن تزايد المخاطر قد يكون نتيجة تلك التحركات غير المسؤولة، التي سعت منذ البداية لحماية البعض، وترك البعض الآخر في مهب الريح نتيجة تلك التوجُّهات الرأسمالية الجشعة، التي باتت تنذر بانهيار كبير يفوق الانهيار الكبير الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي كانت نتائجه الاقتصادية والسياسية كارثية على العالم أجمع.
ألم يدرك المخططون لاقتصادات العالم أن تحميل البنوك العبء والعمل على رفع الفائدة المستمر، سيؤثر على النمو الاقتصادي وسيكون أشبه بقيمة سوقية كاذبة، مثل أزمة الرهن العقاري التي ضربت العالم في 2008؟ أم سيواصل هؤلاء الكذب وتحميل (الجائحة)، والأسباب السياسية، نتائج توجُّهاتهم الاقتصادية والنقدية، حيث كان رفع الفائدة سببًا مباشرًا في حدوث الأزمة الأخيرة في القطاع المصرفي، التي ستؤدي بالتأكيد لمزيد من التراجع الاقتصادي الذي تؤكد المعطيات أنَّه سيظل أقل بكثير من متوسطه التاريخي البالغ 3.8 بالمائة، وستظل التقديرات ضعيفة إجمالًا، وهو ما يؤكد توقعات نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي جويندوس، الذي قال إن الأزمة الأخيرة ستؤدي إلى تشديد إضافي لمعايير الائتمان في منطقة اليورو. وربما سيجد هذا طريقه للاقتصاد ويؤدي إلى تراجع النمو وانخفاض التضخم.


إبراهيم بدوي
[email protected]