أهلَّت علينا ليالي رمضان بعد طول غياب، فبادر الناس بالطاعات، وتهيأت تفاصيله المميزة في مجتمعاتنا، لتتهذب الأرواح قبل الأجساد، وتتدرج تلك العادات الصحية، والمظاهر السلوكية لندرك المعنى الحقيقي للصيام. فهل من الممكن المشاركة بشكل كامل في روح رمضان دون المخاطرة بصحتك؟ كيف ولا وتناول كميات كبيرة من الطعام أو اتباع نظام غذائي غير متوازن على الإفطار يمكن أن يؤدي ـ على سبيل المثال ـ إلى اضطراب المَعدة واضطرابات الجهاز الهضمي والذي بدَوْره قد يفاقم ظروفك الصحية الحالية.
ونظرًا لأنَّ شهر رمضان حلَّ علينا خلال هذه الأشهر، فإنَّ فترة الصيام قد تكون أطول (هنا في سلطنة عُمان تقريبًا خمس عشرة ساعة)، مما يعني أنَّه من المهم الاهتمام بصحتك. خصوصًا وأنَّ الجفاف مع الأعراض المحتملة كآلام الجسم، والتشنجات، والدوخة يمكن أن تؤثر بشكلٍ خاص على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل طبية كمرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم. وهنا ربما من المهم أن يضع الناس خطة مناسبة للوجبات مقدمًا، تمكِّنهم من تناول الطعام الصحي وضمان حصول أجسامهم على العناصر الغذائية اللازمة خلال شهر رمضان.
وبالنظر إلى ذلك، يجب أن تضع في اعتبارك أنه خلال ساعات الأكل (عدم الصيام)، من المهم اتباع نظام غذائي متوازن، للحفاظ على أداء جسمك خلال ساعات الصيام. فالأطعمة التي تطلق الطاقة ببطء مثل الكربوهيدرات النشوية والبروتين ستساعد في الحفاظ على مستويات الطاقة وهذه هي النقطة الأساسية! لذلك يجب على الناس اختيار خيار صحي يتمثل في تناول الخضار أو اللحوم أو أي طعام نشوي، أو مثلًا نصف كوب من العصير الطازج أو قطعة من الفاكهة.
والأهم هنا حقيقة، أنَّه يجب تجنُّب الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن. خصوصًا وأنَّ بعض الأفراد يميلون إلى المبالغة في الأكل وقت الإفطار في هذا الشهر، فيشعرون بالتخمة أو ما قد يُسمَّى بغيبوبة الطعام، وينتابهم النعاس أو الكسل الشديد، بعد الإكثار من النشويات وتلك السكريات.
من ناحية أخرى، أتساءل عمَّا إذا كان معظم الناس يفكرون في تناول وجبة السحور بانتظام؛ باعتبارها ـ بلا شك ـ الوجبة الرئيسية التي يجب تناولها لتجنُّب الجوع أثناء ساعات الصيام. ناهيك عن أنَّ تناول الأطعمة السريعة الغنية بالدهون والملح يمكن أن تسبب العطش أثناء ساعات الصيام.
أما إذا نظرنا إلى الرياضيين وتدريبهم خلال رمضان، من الأفضل حقًّا أن يتمكنوا من ضبط نظام اللياقة البدنية والعناية بالتغذية، والذي بدَوْره ـ بلا شك ـ يمكن أن يساعد على فقدان الدهون في الجسم وتقليل نسبة السكر في الدم والكوليسترول. ليس ذلك فحسب، بل تشير الأبحاث إلى أن الرجال النشطين بدنيًّا الذين يمارسون التمارين الهوائية (ايروبيك) أثناء الصيام يمكن أن يخفضوا نسبة الدهون في أجسامهم خلال شهر رمضان، بسبب زيادة استخدام الدهون كطاقة أثناء التمرين وعند الراحة.
وبالتوازي مع ذلك، أنصح بعدم ممارسة الرياضة في الصباح الباكر لمنع الجفاف وفقدان الطاقة أثناء النهار. مع الإدراك دائمًا أنَّ محاولة رفع مستوى أدائك أثناء الجفاف وبدون تغذية مناسبة، سيؤثر على تعافي جسمك واحتمالات الإصابة كبيرة. وبالتالي لا أعتقد أنَّه في أيام رمضان، هو الوقت المناسب لتحطيم الأرقام القياسية!
وبالتالي، تجنَّب الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح والسكر، وتناول الكثير من السوائل، وتجنَّب المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي ومشروبات الطاقة. وهنا سيكون أمرًا مهمًّا إذا تحدثت إلى طبيبك قبل تغيير برنامج تناول الأدوية في رمضان.
ختامًا، الجميع يدرك أنَّ مبدأ رمضان هنا يتعلق بالطهارة، لذلك سوف يكون رائعًا إذا كنت تفكر في الإقلاع عن التدخين أو على الأقل التقليل منه. ولعلِّي أنهي هنا قائلًا: بأنَّ رمضان ليس الوقت المناسب لتتحدى أهدافك المتعلقة باللياقة البدنية، ولكن للحفاظ على الصحة والالتزام بأخلاقك الكريمة!.. رمضان مبارك.


د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]