جرت مؤخرًا انتخابات لاختيار نقيب جديد خلفًا للنقيب الحالي ضياء رشوان والتجديد النصفي للأعضاء في نقابة الصحفيين بمصر، وبعد منافسة انتخابية حامية معتادة، شهدها مقر النقابة بوسط القاهرة ودور الصحف المصرية، بين أبرز المرشحين لمنصب النقيب والعضوية، تم إعلان فوز الصحفي المستقل خالد البلشي بمنصب النقيب، بأغلبية بسيطة أمام الزميل الصحفي خالد ميري رئيس تحرير صحيفة الأخبار ـ نفس الجريدة التي أنتمي إليها ـ وبصراحة كانت النتيجة مفاجأة لي، فقد توقعت ومعي الكثيرون فوزًا مريحًا للزميل خالد ميري الذي ينتمي لمؤسسة صحفية قومية، ويشغل منصب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، ويمتلك خبرة طويلة في العمل النقابي، حيث تقلد معظم المناصب النقابية، والتي كان آخرها وكيل نقابة الصحفيين، فضلًا عن تمتعه بعلاقات جيدة مع مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وحظي بفرصة عرض برنامجه الانتخابي على أكثر من قناة تليفزيونية، في المقابل لا أعرف عن منافسه خالد البلشي إلا رئاسته لموقع البديل الإلكتروني في مرحلة سابقة، وتقلده رئاسة لجنة الحريات بنقابة الصحفيين لفترة قصيرة.
وسبب المفاجأة، كون الانتخابات تأتي في وقت يمر فيه الصحفيون المصريون ومهنة الصحافة بأوضاع اقتصادية ومهنية صعبة، جرَّاء انصراف القرَّاء عن الصحف الورقية وتراجع نِسَب التوزيع وضعف المواقع الصحفية الإلكترونية، والذي انعكس بدَوْره على حصيلة الإعلانات المورد الرئيسي للدخل في أغلب الصحف الحكومية والخاصة، فبعدما كان عدد جريدة الأهرام الأسبوعي الصادر يوم الجمعة، وأخبار اليوم الصادرة يوم السبت يتخطى المليون نسخة، وكانت حصيلة الأهرام من الإعلانات في تسعينيات القرن الماضي تتخطى المليار جنيه سنويًّا، لا تتعدَّى أرقام التوزيع اليوم في أكبر صحيفتين الأهرام والأخبار مائة ألف نسخة في اليوم، في بلد يتخطى عدد سكانه المائة مليون، ولا تغطي حصيلة الإعلانات، تكاليف التشغيل، من أجور ومرتبات لآلاف الصحفيين والإداريين والعمَّال، ومواجهة أسعار الورق والأحبار ومستلزمات الطباعة التي اشتعلت أسعارها مؤخرًا بعد أزمة الحرب الأوكرانية الروسية. منذ أكثر من ثلاثين عامًا، استطاعت نقابة الصحفيين انتزاع بدل نقدي شهري للصحفيين أعضاء النقابة من ميزانية الحكومة ـ سُمِّي بدل تكنولوجيا، ومع كل دورة انتخابية، وتولِّي نقيب جديد كانت تزداد قيمة هذا البدل، الذي أصبح يُمثِّل اليوم أكثر من نصف دخل معظم الصحفيين، والدخل الوحيد لبعض الصحفيين الذين فقدوا وظائفهم بعد إفلاس أو اختفاء الصحف التي كانوا يعملون بها، كما كانت الانتخابات فرصة لزيادة معاشات الصحفيين الذين أحيلوا للتقاعد، وزيادة موارد مشروع علاج الصحفيين وأُسرهم.
ولمَّا كانت الحكومة ـ وزارة المالية تحديدًا ـ مصدر هذا الدعم الذي يعين الصحفيين على مواجهة أعباء الحياة، ظل هناك هاجس مستمر حول ضرورة وجود نقيب ومجلس نقابة، يتمتع بعلاقات جيدة مع مؤسسات الدولة، ليتسنى لهم تأمين هذه المبالغ التي تتحملها الخزانة العامة للدولة سنويًّا. بينما على الجانب الآخر، هناك آراء ترى أن هذه حقوق مستقرة مكتسبة ليس لها علاقة بتوجُّهات أو انتماءات النقيب والأعضاء، مقابل الدور الوطني الذي ما زالت تقوم به مهنة الصحافة والصحفيون، وأن النقابة لا بُدَّ أن تظل مستقلة بمنأى عن الاستقطاب، تستوعب كافة الآراء والتيارات والتوجُّهات السياسية والثقافية والحزبية، دون تغوُّل أو تسييس، وأن انصلاح الأحوال المهنية والأوضاع الاقتصادية للصحف والصحفيين، سيعود بالنفع على الدولة والشعب المصري الذي يمتلك الصحف القومية، وينتظر منها أداء رسالتها في نقل الحقيقة مجردة والنقد الموضوعي، ورفع مستوى الوعي بالقضايا التي تشغل بال الوطن.


محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري