حفَّزني أخي الصحفي والشاعر مؤيد عبد القادر على التوقف عند مَسيرة إنسان لم يحظَ باهتمام ورعاية مَن عاصروه رغم أنَّه فنان كبير يتمتع بمواهب صوتية وشعرية وموسيقية صاغت شخصيته عبر هذه الفنون التي نادرًا ما تجتمع بشخص واحد.. إنَّه الفنان الراحل عزيز علي. وعزيز علي كما يصفه زميلي مؤيد في بصمته الإنسانية بأنَّه بمثابة منشور سرِّي يسلط الضوء على ما كان يجري في العراق ويسبب الإزعاج للسُّلطة السياسية من شدَّة نقده بأسلوب المنلوجست الغنائي الذي كان موضع اهتمام ومتابعة للجمهور العراقي في تلك الفترة.
وفنَّان يحظى بهذا القدر من الاهتمام ودوره في الحياة السياسية عبر أغانيه المؤثرة، تعرَّض للسجن والاعتقال والاضطهاد، وعانى الجوع والحرمان، لكنَّه ظلَّ وفيًّا لِفَنِّه ومُحبِّيه.
والمفارقة في مَسيرة فنَّان راحل نستذكر أنَّه كان يكتب أغانيه ويلحِّنها من دُونِ أيِّ دَوْر لأحد في إخراج أغانيه إلى الجمهور. وكان رئيس وزراء العراق الأسبق نوري سعيد يتضايق ويتوجس من عزيز علي إلى حد اعتقاله أو منع بث بعض أغانيه من الإذاعة؛ لأنَّه كان يعرف أسلوب وطريقة الغناء ومفرداتها ومراميها وأهدافها ضد العهد الملكي في تلك الفترة.
ومثلما تعرَّض الفنَّان عزيز علي إلى الملاحقة والاعتقال من شدَّة نقده للعهد الملكي، فإنَّه كان يحظى بمتابعة وحُب العراقيين، وبسبب ذلك عاش السجن والاعتقال والاضطهاد وعانى الجوع والحرمان، غير أن العراقيين كانوا يتحلقون حول المذياع للاستماع إلى أغانيه من شدَّة تعبيرها عن ما يجول في صدورهم.
وعندما نَصِف أغاني الفنان الراحل عزيز علي بأنَّها صوت للمعارضين في فترة كانت من أشد فترات الإثارة في تاريخ العراق لنهج السُّلطة حينذاك، كان يقابلها فنٌّ آخر لا يقلُّ أهمية من صوت عزيز، وهو فنُّ الكاريكاتير رغم أنَّه صامت، إلَّا أنَّه كان مؤثرًا ومعبرًا عن رغبات العراقيين وحبهم لهذا الفنِّ.
ورحل الفنَّان عزيز علي رائد غناء المنلوجست عام 1998 في ذروة الحصار على العراق تاركًا إرثًا وبصمة شخصيته لهذا الفنِّ الرفيع رغم محاولات صديقه الراحل المنلوجست علي الدبو ملء الفراغ الذي تركه عزيز، إلَّا أن هذه المحاولة لم تحقق أهدافها. وبقي الفنَّان عزيز على صوت لا يضاهيه أحد من أقرانه بفعل حُب العراقيين لِفَنِّه ورسالته السياسية التي كانت عنوان مَسيرته التي صنعت منه رائدًا لهذا الفنِّ الرفيع. وحتى لا نبخس دَوْر الفنَّان الراحل عزيز علي فإنَّ الاهتمام بفَنِّه دفع العديد من الصحفيين ومُحبِّي هذا اللون إلى استذكار مناقبه وتسليط الضوء عليه عبر تأليف العديد من الكتب، وإبراز دَوْره في الحياة السياسية معارضًا سلميًّا مستخدمًا فنَّ المنلوجست سلاحًا مؤثرًا للتعبير عن مواقفه السياسية التي كانت عنوانًا لمَسيرة رجل وفنَّان لم تنلْ منه عاديات الزمن، فبقي وفيًّا لِفَنِّه ولشعبه رغم سهام الأعداء التي تكسرت عند عتبة قامة فنية عراقية جديرة بالاستذكار، وإبراز خصاله التي لامست هموم العراقيين وتطلعاتهم بغدٍ آمن ومستقِر وخالٍ من الخوف.


أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]