هناك كلماتٌ متباينة المعنى، ولكن جذرها واحدٌ؛ وذلك بسبب اختلاف البنية الصرفية من جهة، والسياق الذي وردت فيه من جهة أخرى، ومنها تلك الكلمات الأربع التي نبينها، ونذكر ما قاله القرآن الكريم عنها، وسياقها ودلالتها.
(أرَبٌ): يُقال:(أَرَبَ الشَّيْءَ): عقده، وشدَّهُ، وأحكمه، وأرب فلان بالشيء: كلف به، ولزمه، وأرب إليه: احتاج وافتُقِرَ، فهو أرب وأريب، وأرُبَ يأرُبُ أرُوبة، وأرابة وإربًا، فهو أريب، أي: صار ذا نباهة وفطنة، وذكاء، فكأن ما تقوله اللغة الدارجة:(فلان أروبة) هو فصيح؛ إذ هو بمعنى: ذكي، لم تلده ولَّادة، وهو نسيجُ وحده، ووحيدُ أقرانه، وتأرّب: توثق واشتد، أو تكلف الفطنة، والدهاء، والذكاء، والأربُ في اللغة هو فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكلُّ أربٍ حاجةٌ، وليس كلُّ حاجة أربًا، ويأتي على صورتين،الأولى: في الحاجة المفردة، تقول: (لي أرب في هذا الكتاب، أو تلك السيارة) أي: حاجتي إليها محة وضرورية، ولي رغبة في تملكها، والثانية: في الاحتيال، وإن لم يكن حاجة، كما في نحو:(فلان ذو أرب وأريب) أي: حاجة واحتيال، والأرب الاحتياج الشديد إلى الشيء، يُقال:(أرب فلان إلى كذا: احتاج إليه احتياجًا شديدًا، ويُقال:(أرب إلى فلان إلى كذا أربًا وأُرْبَةً، وإِرْبَةً، ومَأْرَبَةً) أي: اشتدت إليه فيها حاجته، وزاد طلبه لها.
وثمة فرق لغوي واضح بين (الإرْب والأرْب)، فالإرْب: الحاجة والذكاء والدهاء، والفطنة والعقل، والعضو الكامل، ومنه قولهم:(قطعه إربًا إربًا) أي: عضوًا عضوًا، وجمعه (آراب) و(أرآب)، أما (الأَرْبُ) فهو الدهاء والفطنة والبصر بالأمور، وأما (الأرَبُ) بفتح الراء فهو الحاجة، والحاجة الشديدة والبُغية، والأمنيَّة، يقال: بلغ أرَبه، ونال أرَبه: بلغه، وحققه، ووصل إليه، و(مآربُ): جمع مأرب، وجمْع أرَب أيضًا،وهي الحاجة، والحاجة الملحة للإنسان، وبها يقيم حياته، وهي أمنيته، وبغيته، قال تعالى:(.. وليَ فيها مآرب أخرى، أيْ أمنيات، ورغبات، وحاجات، وآمال شديدة أحتاج إليها)، وهي أساسية لي.
وأما الإرْبة فهي البُغية للشيء، والبُغية في النساء على وجه الخصوص، قالتعالى:(..أولي الإربة من الرجال..)فهي كناية عن الحاجة إلى النكاح، والرغبة فيه، وهي واردة في القرآن في هذا السياق لمن لا يهتم بأمور النساء ولا يكترث لهن، ولا مطمع له،قال ابن قدامة: “ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر، أو عنة، أو مرض، لا يرجى برؤه، والخصي، والشيخ، والمخنث الذي لا شهوة له، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر لقول الله تعالى:(أو التابعين غير أولي الإربة) أي: غير أولي الحاجة إلى النساء، وقال القرطبي:(واختلف الناس في معنى قوله:(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ) فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء، وقيل: الأبله، وقيل: الرجل يتبع القوم، فيأكل معهم، ويرتفق بهم؛ وهو ضعيف، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهن، وقيل: العنِّين، وقيل: الخصي، وقيل: المخنث، وقيل: الشيخ الكبير، والصبي الذي لم يدرك)، وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فهم له، ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء، فالمخنث يدخل في غير أولي الإربة؛ ولذا صح أنه كان يدخل على نساء النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكننا نتكلم عن ذوي الإربة لا غير ذويها، فيتعين أن يكون معناه هو نقيض ما قاله الفقهاء، وأهل التفسير في ذلك، وهو كما فسرته سابقًا، وأما (الآراب) فجمع الإِرْبِ، وهو الحاجة والأمنية والبغية والعقل، والعضو الكامل، ومنه ـ كما سبق:(قطّعه إرْبًا إرْبًا)، أي مزَّق أوصاله عضوًا عضوًا، أو الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها، وقد ذكروا أن الأعضاء ضربان؛ ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل، والعين، والثاني ضرب للزينة كالحاجب واللحية، وقسموا التي الحاجة إليهاإلى ضربين: ضربٌ تشتد الحاجة إليه، وضربٌ تشتد الحاجة إليه حتى لو توّهم مرتفعًا لاختل البدن اختلالًا عظيمًا، وهي الاي تسمى الآراب، وهي التي تحددت في حديث الرسول الكريم:(إذا سجد العبد سجدت معه سبعة آراب: وجهه، وكفَّاه، وركبتاه، وقدماه)، وهي بالفعل الأعضاء التي لا غنى للإنسان عنها، ولابد له منها، ويختل معها لو رُفِعَتْ عنه، أو لم تكن منه.



د. جمال عبد العزيز أحمد
جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية
[email protected]