عرض ـ أحمد الجرداني:
أعزائي القراء.. نختتم اليوم هذا البحث القّيم لسعادة الشيخ الأمين العام بمكتب المفتي العام للسلطنة حول المعلومات التي توصل إليها.. فقال: والذي توصلت إليه من خلال زياراتي ومشاهداتي أنه نتيجة اكتشاف العمانيين لتك المناطق، فقد كّونوا لهم مواطن استقرار متجاورين ومتداخلين مع السكان الأصليين الأفارقة، وإن المرء ليعجب من ترحيب الأفارقة بهم ترحيبًا وديًّا خالصًا، يقل نظيره بل يعدم له نظير إلى الحدّ بأنّ سلّم الأهالي للعمانيين المسئولية الاجتماعية والسياسية في كثير من الأماكن، وكان التآلف بين الجانبين كبيرًا، الأمر الذي جعل العمانيين يطيب لهم العيش هناك على مدى ما يقرب من قرنين من الزمان إذا ما عرفنا تحديد أن ذلك الحراك الاكتشافي بدأ منذ عهد السلطان عالي الهمة سعيد بن سلطان.
وإذا ما نظرنا إلى ذلك المنزل الجميل والكبير الذي شيّده أحد العمانيين ألا وهو:(سعيد بن سالم الجابري سنة 1857م في تابوره) عرفنا العمق التاريخي لذلك الاستقرار وبعده الحضاري، والذي ولا شك أن وجود ذلك المنزل بذلك الحجم، وفي ذلك الوقت لهو مؤشر إلى وجود استقرار عماني كان قد سبق ذلك بفترة كافية كان فيها التوطّن والشعور بالأمن حياة وجوارًا وتجارة، وقد تمثل الاستقرار العماني في أواسط افريقيا في الأشياء التالية:(أولًا ـ التخطيط العمراني)، وهنايقول سعادة الشيخ احمد بن سعود السيابي: من المشاهد والملاحظ إن الإنسان عندما يزور منطقة ما من مناطق الداخل أو الوسط الإفريقي، لاسيما المدن الكبرى يجد التخطيط العمراني الراقي الذي يشبه إلى حد كبير تخطيط العواصم والحواضر الإسلامية، فعلى سبيل المثال في (تابوره وموانزا في تنزانيا وبوجمبورا عاصمة بروندي) .. وغيرها من المدن يجد أن التخطيط العمراني قائم وفق الأسس التالية:(المرفق الإسلامي)، ويتكون من المسجد، وتلحق به مدرسة للقرآن الكريم، ومجلس يجتمع فيه الناس بعد الصلوات، كما تلحق به غرف للضيافة لنزول الغريب الذي يأتي من الأرياف، ويكون المرفق الإسلامي في وسط التخطيط العمراني، ومن جميل الأمر أن المرافق الإسلامية تلك، تنشأ لها جمعيات لإدارتها يطلق عليها الجمعيات العربية، كما يطلق على مساجد العمانيين وهي مساجد إباضية المذهب مساجد العرب، حتى ولو كان هناك عرب من بلدان أخرى، لا تنسب مساجدهم إلى العرب، و(الأسواق)، أو المحلات التجارية، وتتفرع شوارعها من المرفق الإسلامي، أي: أن المحلات التجارية تحيط بالمرفق الإسلامي وهو يكون كالمحور لها،و(المساكن) وهي تأتي في المخطط خلف المحلات التجارية، كامتداد للمرفق الإسلامي وللمحلات التجارية، ويلاحظ المرء ذلك التخطيط الجميل مرتبًّا ومنسّقًا وهو نفس تخطيط العواصم والحواضر الإسلامية، حيث يكون المسجد ومقر الحاكم في الوسط، وتتفرع عنه الأسواق والمساكن ليكون المسجد هو محور الحياة في الإسلام، بحيث إنه إذا أذّن للصلاة فإن الجميع بإمكانهم حضورها، هذا في المدن الكبيرة، أما في الأرياف، فإن المحل التجاري يكون في الغالب ضمن المنزل، وله باب واسع من الخارج لاستقبال الزبائن، وباب صغير يفضي إلى داخل البيت لاستعمال صاحبه، و(ثانيًا ـ الإصلاح الزراعي)، حيث قام العمانيون عند استقرارهم بإصلاح الأراضي لتكون صالحة للزراعة، وساعدهم على ذلك الطقس الاستوائي الممطر والغابات الخضراء، والأنهار الجارية، والبحيرات العذبة، فزرعوا الأشجار والخضار والبقوليات وسائر أصناف المزروعات، كما غرسوا النخل التي حملوها معهم من سلطنة عُمان وأصبحت باسقات ذات طلع نضيد، وغرسوا شجر الأمبا (المانجو) نقلوها من زنجبار، وصارت النخلة عنوان وجود العماني في مناطق البر الإفريقي، فعندما يشاهد الإنسان نخلة أو نخلات يعرف أن هناك بيتاً أو بيوتاً لعمانيين، و(ثالثًا: التجارة والصناعة)،وكان الهدف الأساسي من وصول العمانيين إلى أواسط افريقيا هو التجارة، وهناك أنشأوا المراكز التجارية على طرق القوافل التجارية، ثم فتحوا المحلات التجارية في الأماكن التي استقروا فيها.