يفرض علينا الوضع البيئيُّ المعقَّد، الذي يشهده العالم في الأوان الأخير، الحرص على الاهتمام بالمفردات البيئيَّة، والعمل على إقامة قاعدة بيانات تخصُّ التنوُّع الأحيائي في كافَّة المناطق حَوْلَ العالم؛ وذلك ليس لحماية النباتات والحيوانات من خطر الانقراض، لكنَّ الأمر بعد الأضرار الكبيرة التي شهدتها وتشهدها البيئة، أضحى يؤثِّر على حياة الإنسان وقوته بشكلٍ مباشر، لذا أضحى العمل على زيادة الوعي البيئيِّ وأهميَّة التنوُّع الأحيائي وفوائده في مختلف مجالات العلوم والطِّب والزراعة والاقتصاد، ليس رفاهية كما كان في الماضي القريب، لكن ما يشهده العالم من تغيُّر مناخي وتصحُّر وأعاصير...إلخ، أثَّر بشكلٍ كبير على غذاء الإنسان، فرض علينا حتميَّة إنشاء قاعدة بيانات بيئيَّة فعَّالة تضمُّ كُلَّ ما يتعلَّق بالبيئة والتنوُّع الأحيائيِّ والتنمية المستدامة تكُونُ متاحةً للجميع.
لذا بات حرص العديد من الدوَل يزداد في هذا المجال، وعمَد الكثير منها حَوْلَ المعمورةِ على بناء قاعدة بيانات مستدامة تُسهم في الحفاظ على بيانات ومعلومات التنوُّع الأحيائيِّ واستخدامها المستدام على المستوى الوطنيِّ لإعداد التقارير المتعلِّقة بالتنوُّع الأحيائيِّ والرصد وصنع القرار، كما تدعم قواعد البيانات تلك طُرق وأساليب الحفاظ على وجود النُّظم البيئيَّة المتكاملة، وتكوين مجموعات عمل متخصصة لإعداد خريطة استخدام الأراضي للتنوُّع الأحيائيِّ والبيئيِّ وصونهما، ما يؤدِّي إلى التوسُّع في الاستثمار المستدام لعناصر التنوُّع الأحيائيِّ ودمجه في برامج التنمية المستدامة بمناطقه، وتعظيم القيمة الاقتصاديَّة لمخرجاته ومنتجاته دعمًا لاستدامته وتطوير وسائل التوعية للحفاظ عليه، وتنشيط صيانة الموائل الطبيعيَّة لتحقيق استدامة بقاء عناصر التنوُّع الأحيائيِّ، خصوصًا المُهدَّدة بالانقراض.
وفي هذا الإطار، تواصل هيئة البيئة ـ ممثَّلة في فريق عمل مشروع المسح الوطنيِّ للتنوُّع الأحيائيِّ ـ جهودها من أجْل تحسين ترتيب مؤشر الأداء البيئيِّ لسلطنة عُمان في مجال التنوُّع الأحيائيِّ، تعزيزًا لبناء قاعدة بيانات وطنيَّة للأنواع مع تحديث مناطق وجودها والتغيُّرات التي طرأت عليها، بالإضافة إلى تسجيل ورصد وتوثيق مفردات التنوُّع الأحيائيِّ الموجودة بالسَّلطنة، حيث نفَّذ فريق العمل مؤخرًا على مدى أسبوعين بالتعاون مع إدارة البيئة بمحافظة مسندم المسوحات الميدانيَّة لمشروع المسح الوطنيِّ للتنوُّع الأحيائيِّ بمحافظة مسندم التي تضمُّ بحسب تقسيم الفريق 119 مربعًا مسحيًّا من فئة مسوحات المناطق ذات الأولويَّة القصوى والتي تمَّ تقسيمها بأبعاد تبلغ 5×5 كم على امتداد المحافظة. إنَّ ما يبذله الفريق من جهود وما يصبو إليه من نتائج يحتاج تعاونًا وطنيًّا من كافَّة الأطراف؛ نظرًا لكَوْنِه يسعى لبناء قاعدة متكاملة من البيانات الأحيائيَّة الوطنيَّة، سوف تُسهم في وضع التصوُّر التنمويِّ المطلوب وفق خريطة التنوُّع الأحيائيِّ في البلاد، ولا بُدَّ من المسؤولين الحكوميين تقديم كافَّة أوْجُه الدعم المطلوب للفريق في محافظاتهم، خصوصًا الأعمال الميدانيَّة التي قام بها الفريق قد أسفرت عن مسح (77) موقعًا بما يعادل (1925) كيلومترًا مربعًا وتركيب 45 كاميرا فخيَّة والتي سيتمُّ متابعتها بشكلٍ دوري لضمان بقائها نشطة لمدَّة 6 أشهر من تاريخ تركيبها، وذلك بهدف الرصد الدائم للتنوُّع الأحيائيِّ في البلاد.