نسمع كلمة (آخِر) بكسر الخاء، و(آخَر) بفتح الخاء، فما معناهما، ومؤنثهما، وجمعهما؟، وما أحكامهما النحوية، واللغوية؟، وما الذي ورد منهما في كتاب الله؟، وما تفضلتْ به الآي الكريمات فيهما؟، وكيف تنطق بصورة صحيحة مفردة ومثناة ومجموعة؟، وهل نطقُ بعضِهم صحيحٌ في تنوينها وصرفها، أم يحتاج إلى تعديل؟.
آخِر (بكسر الخاء) يقابله الأولُ، نقول:(جاء فلان أولَ الناس، وجاء فلان آخِرَ الناس)، أي: المتأخر فيهم، ونقول:(جاؤوا عن آخرهم)، و(الآخِر) من أسماء الله تعالى، أي: هو الباقي وحده بعد فناء خلقه، ومؤنثه الآخِرة، وتقع الكلمة وصفا ليوم القيامة، فالآخرة مقابل الأولى، وهي دار الحياة بعد الموت، ويقال:(حصل الشيء بآخِرة، وجاؤوا بآخِرة) أي: أخيرًا، و(الأَخِر بالهمزة هو الأخير أيضًا، والمتأخِّر عن الخير، والمؤخَّر المطروح، يعني: سواء بالهمزة أو بالمَدِّ)، ومثنى (الآخِر) هو (الآخران)، والجمع (الأُخَر)، وأفعَل التفضيل منه:(آخَر) بفتح الخاء، نقول:(فلانٌ آخَرُ من أخيه) أي: أشدُّ تأخرًا منه، كما يقال:(فلان في المواعيد آكدُ، وأحرصُ من أخيه) فآخر أفعل تفضيل تأتي بعده (مِنْ)، وتأتي في تراكيبها مسبوقة بالصفة، وهي:(الدار)، قال تعالى:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص ـ 83)، ونحو:(وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل ـ 30)، ونحو:(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة ـ 94)، ونحو:(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الانعام ـ 32).
ومن أحكامها أنها يمكن أن تأتيَ خُلْوًا من صفتها (الدار)، فتأتي الصفة دون الموصوف؛ للعلم به، نحو:(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود ـ 16)، فَتُرِكَتِ الصفةُ، وبقي الموصوف، ونحو:(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يوسف ـ 57)، فقد حُذِفَ الموصوفُ، ووردتِ الكلمةُ مضافةً لا صفةً، وهو من أحكامها التركيبية، والتقدير:(ولأجر الحياة الآخرة خيرٌ..)، ومن أحكامها أن موصوفها قد يحذف، والأصل أن يذكَر، وأن تقع صفة، ومضافة بعد حذف موصوفها، ومن أحكامها كذلك أن (آخرًا) يُصرَف، وينوَّن، ولا يُمنَع من الصرف، يقال:(جاء الرجل أخيرًا) بالتنوين، وألف بعد الراء، علامة على صرفه، وعدم منع من الصرف، ويثنَّى على (آخران، وآخِرَيْن، وأخيران، وأخيرين)، والجمع السالم منه:(الأخِيرون، والأخِيرين، والآخِرون، والآخِرين) فيُعرَب إعرابًا فرعيًّا، هو إعراب جمع المذكر السالم، فمن الخطأ الحاصل في نطق بعضهم أن ينطق بهذا اللفظ ممنوعًا من الصرف، فيقول:(آخِرَ، وأخيرَ)، وهو خطأ، ويجب صرف اللفظ ما دام مكسور الخاء، فيلزم على الدوام صرفُهما، وتنوينُهما: رفعًا بالضمة، ونصبًا بالفتحة، وجرًّا بالكسرة مع التنوين، ما لم تقع مضافة، فعندئذ يحذف التنوين لأجل الإضافة، وليس لسبب المنع من الصرف:(جئت آخِرَ الناسِ).


د. جمال عبد العزيز أحمد
جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية
[email protected]