يُعدُّ التسامح الديني قيمة عُمانية أصيلة ومن المبادئ التي أقرَّتها نهضتنا المباركة منذ انطلاقتها.. حيث كفلت بلادنا الحرية الدينية والفكرية لكل من يقيم فيها وعدَّته حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان، وهو ما يُعدُّ أحد الأسباب التي جعلتها واحة للأمن والاستقرار.. يجسِّد ذلك معارض التسامح الديني التي جابت دول العالم من أجل التقريب بين الثقافات والأديان والشعوب في إطار من المَحبَّة والخير والأمان وفي ذات الوقت التعريف بالإسلام في صورته الصحيحة.
ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية منذ إنشائها، إلى جانب اهتمامها ببيوت الله وأموال الوقف وغيرها، حرصت على نشر القِيَم الإسلامية القويمة، سواء بين المسلمين أو غيرهم من الجاليات المختلفة التي تعيش في المجتمع العُماني.. ومن الفعاليات المتجددة التي لاقت نجاحًا وتجاوبًا كبيرًا عبر النسخ الماضية فعالية «تعارف» التي تنظمها الوزارة سنويًّا ويشهد العام الحالي نسختها السادسة بعنوان «العالم والقِيَم بمنظور إسلامي» وتعمل من خلالها الوزارة على تعريف غير المسلمين من المقيمين بسلطنة عُمان بالدِّين الحنيف وبما يمتلكه من قِيَم سمحة ومبادئ قويمة وأخلاق كريمة.. فالإسلام هو دين الفطرة السوية والإنسانية الحقة، وهو دين التسامح والأخلاق القويمة والقِيَم الرفيعة، وقد جاء لتحقيق الخير والسعادة للبشرية، وحثِّ الناس على التعايش في وُدٍّ وحُب واحترام الآخر.. لذلك تقوم الوزارة بتنظيم حفلات إفطار يتمُّ خلالها عرض تجربة المجتمع العُماني في إقرار التعايش المشترك والتسامح والوئام وفتح باب النقاش لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام.
لا شك أن نشر مبدأ التعايش بين المسلم والآخر وتطبيق هذا المفهوم على المستوى العملي يؤدي إلى التقارب بين البشر ونزع فتيل الخوف والعنصرية التي تعاني منها الأقليات، خصوصًا المسلمة في الدول الغربية.. فديننا الحبيب يدعونا للتعايش في سلام وقبول الآخر والاعتراف به ومجادلته بالتي هي أحسن، فقد جاء رحمة لأتباعه وغير أتباعه حتى وصف النبي في دعوته بما وصفه به ربه «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. وحرم التمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الجنس، بل وضع التقوى هي المعيار ليدل على أنَّه دِين أخلاق تقوم معاملاته على التسامح والحب والمودة والانفتاح.. ويكفي أن أول ما قام به الرسول الكريم في مجتمع المدينة الجديد هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم عقده المعاهدات مع يهود المدينة التي تحث على التعايش وحسن الجيرة والتعاون والنصرة، إلا أنهم نقضوها وهذا ديدنهم حتى يومنا هذا.. حتى عندما شرع الله الجهاد فكان للدفاع عن الدعوة الإسلامية وعن النفس بصد العدوان عن بلاد المسلمين.
وفي عالمنا المعاصر الذي تسيطر عليه الانقسامات والصدامات والتناحر لا بُدَّ من البحث عن نقاط مشتركة تساعد على إعادة جسور الثقة بيننا وبين الآخر وتوضيح الثقافة الإسلامية الصحيحة. فالحوار الهادف أصبح ضرورة حضارية وحتمية إنسانية؛ كونه يُسهم بدرجة كبيرة في كسر الهوَّة بين الديانات المختلفة وفي تقريبها للالتقاء حول المشترك في الأخلاق الإنسانية.
إن سلطنة عُمان كانت وما زالت وسيط خير بين الأمم.. وكما كانت ملتقى للقوافل والتجارة الملاحية والبرية فإنها كذلك ملتقى السلام والتسامح ونشر المحبة والتعايش بين الشعوب.. وكما امتلك العُمانيون المهارة في ركوب البحر والتجارة، فإنهم كذلك امتلكوا مهارة التوفيق وحكمة لمِّ الشَّمل ونشر المبادئ الإنسانية السامية، والتقريب بين الشعوب، وسجلَّات التاريخ حافلة بالنماذج العديدة التي تدلُّ على ذلك ويفخر بها كل عُماني.. فقد انتهجت السلطنة مبادئ احترام الحريات الدينية وعملت على التواصل مع الآخر بالعديد من الوسائل، سواء من خلال تأسيس مراكز للحوار مع المذاهب والديانات المختلفة أو بإنشاء الكراسي العلمية في الجامعات الدولية التي تكرس لمبدأ الحوار القائم على الاحترام أو بإقامة معارض التسامح الديني التي تجوب العالم وتروج لمبدأ التعايش السلمي بين الشعوب.. وتظهر الوجه الحقيقي للإسلام وتصحح الصورة المغلوطة عنه.. كل هذا وأكثر جعل اسم السلطنة يقترن بقِيَم التسامح والتعايش والسلام والمَحبة.. فصارت على مدار التاريخ وما زالت الراعي الرسمي الحقيقي للسلام حول العالم، وجسَّد شَعبها الوفي أسمى آيات التعاون والتعايش المشترك في مودة ورحمة وهو ما انعكس عليه تنمية ورخاء وازدهارا.
لا شك أن أمَّتنا الإسلامية أحوج ما تكون للجهود التي تدعو للتواصل مع الآخر وتوضيح الصورة الصحيحة للإسلام، والتأكيد على مبادئ التسامح والتعايش السلمي القائم على الاحترام حتى ينعم الجميع بالعيش في جوٍّ من المَحبة والثقة والسلام والأمان.
**********
من مهام بيتنا العربي الكبير المتمثل في جامعة الدول العربية وواجباته القومية الأساسية حل ومعالجة المشكلات التي تطرأ على أعضائه.. لذلك فإن كل عربي يتطلع دائما لأن يتخذ الإجراءات الحازمة التي تلزم كل أعضائه بالقرارات التي تنبثق عن اجتماعاته ـ والتي عادة ما تكون حبيسة الأدراج ـ كي يستعيد مكانته المفقودة.
ولقد أعلنت جامعة الدول العربية عن موعد انعقاد القمة العربية الـ(32) بالمملكة العربية السعودية وذلك في 19 مايو المقبل، مشيرةً إلى أنَّه تسبقها عدَّة اجتماعات تحضيرية على مستويي كبار المسؤولين والوزراء.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستسفر القمَّة هذه المرَّة عن قرارات تحقق تطلعات الشعوب العربية، وتعيد لهم كرامتهم المهدرة التي يبحثون عنها، ويلتئم الرأب العربي ليقضي على التشرذم الذي تعيشه أمَّتنا، ويتفق الجميع على كلمة سواء تقاوم الخطط الخبيثة التي تحاك ضد دولنا العربية السَّاعية لتفككها وتقسيمها لدويلات صغيرة يسهل نهب خيراتها والسيطرة عليها؟.
إننا لا نملك إلا أن نتفاءل وندعو أن يتَّحد الملوك والرؤساء العرب يدًا واحدة لمواجهة المخططات الخبيثة التي تحاك ضد الأمَّة العربية من المحيط إلى الخليج ويعودوا خير أمة أخرجت للناس.. فما زال الأمل يداعبنا في أن تسهم ولو بجزء بسيط في حل الأزمات التي تعاني منها أمَّتنا العربية التي هي أحوج ما تكون لتعاضد أشقائها، فإذا لم يتكاتف الأخوة في مثل هذا الوقت الراهن فمتى سيتحدون؟



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني