اجتمع علماء متخصصون في علم النفس والاجتماع على أن نظريات العلاقات الإنسانية المتعددة والتي تشمل الواقعية والواقعية الجديدة والرجالية والنسوية والبنائية والكلاسيكية وأحيانًا النرجسية وغيرها، هي من تحدِّد العلاقة بين البشر، إلا أن تلك النظريات في مجملها عجزت عن التنبؤ بمستقبل الانعطاف الإنساني والسلوكي، وربما وصلت لأكثر من ذلك لتؤثر في الأحداث الدولية، والحديث هنا نخص فيه بالذكر ما يتعلق بعلاقة الزوج والزوجة في مراحل تجدد الأحداث، أو بين الأبناء ووالديهم مع تطوُّر التكنولوجيا وانصياع الأجيال الجديدة إلى مفردات العصر الحديث بما فيها اللغة والحديث والتواصل والعلاقة المجتمعية، وقد تدفع هذه الإحداثيات إلى الولوج إلى تدشين نظريات جديدة تواكب التغيرات، وربما يكون في المقدمة منها نظرية «قف وعدل المسار»، على غرار النظريات السياسية التي ظهرت إبان انهيار الاتحاد السوفيتي والتي سُمِّيت حينها بنظرية «البجعة السوداء» والتي دشَّنها العالم الأميركي لبناني النشأة نسيم نقولا والتي أشارت خلالها إلى ضعف القدرة على التنبؤ نتيجة لحدث غائب، أو عدم الإحاطة بكافة المتغيرات الخاصة بالظاهرة.
وتشير نظرية «البجعة السوداء» إلى الاعتقاد القديم بأن كلَّ البجع أبيض، وأنَّه لا يوجد ما يُعرف بالبجع الأسود، وظل هذا هو الفكر السائد إلى أن تمَّ اكتشاف البجع الأسود بقارة أستراليا، وهذا ما نود الإشارة إليه في النظرية التي نطرحها بعنوان «قف وعدل المسار» والتي تتلخص في أنَّه ليس من الضروري أن تظل واقفًا مكانك ماسكًا بأفكار وقِيَم لم يعد لها مكان في الوقت الحاضر، كمثال قائم أنَّه من غير المتوقع أن تكون العلاقة الزوجية المستقيمة محلَّ خلاف طالما الزوجان متفاهمين، ويوفر كلٌّ منهما للآخر طيب الحياة والمعشر، إلا أنَّه أصبح في عصرنا الحاضر ما كان غير متوقع هو بالفعل القائم. وطالعتنا الأخبار بمثال على ذلك في أحد البلدان العربية، حيث قامت زوجة مسؤول بالإبلاغ عنه لدى السُّلطات الأمنية لأمر ما ليس مجالًا لحديثنا الآن، ولكن الحديث هو أن زوجة تقوم بالابلاغ عن زوجها فيما كان من الطبيعي أن تكون العلاقة كما هو متداول في الأمثلة الشعبية «الزوجة ستر وغطاء على زوجها» وغيرها من الأمثلة التي تذهب إلى قتل النفس أو سرقة الأموال بين أحد الزوجين للآخر، فيما شاهدنا أمثلة مماثلة أيضًا بين الأبناء ووالديهم كأن يقوم الابن بسرقة أبيه أو وضعه في مصحة عقلية من أجل الاستيلاء على أمواله، وقد تحدثت عن هذه الظاهرة العديد من الأفلام السينمائية. خلاصة القول في تلك الأمثلة أو الظاهرة، إنَّه حان الوقت لتفعيل نظرية «قف وعدل المسار» والتي أتصور أنَّها تنادي بالوقوف بعض الوقت قبل ضياع كلِّ الوقت في تأمل الأحداث التي تحيط بالإنسان بنوعيه ذكرًا أو أنثى ليحاسب نفسه بكلِّ أمانة وتجرُّد بعيدًا عن حُب النفس، لتحديد مساره والطريق في علاقته بمَن حوله، وخصوصًا الأقربين، ويسأل عن الإخفاقات والنجاحات التي مرَّت بحياته وطُرق علاجها وإن تطلب الأمر البتر في بعض الأحيان، حتى لا تُشكِّل ظاهرة؛ لأنه ليس من الطبيعي أن يعيش الإنسان طوال حياته بين زلات الآخرين، أو أن يكون سببًا لزلات الآخرين؛ لأن تفسير الأحداث يظل قاصرًا على العوامل والمتغيرات المحيطة بالظاهرة، على الرغم من وجود متغيرات بعيدة لا يعلم عنها شيء ويمكنها تغيير الأحداث بشكل جذري، وهو ما وضح في مثال الزوجة التي قامت بالإبلاغ عن زوجها، وقد كان بالنسبة للزوج عبارة عن حدث غائب، وهو ما يؤثر على الأحداث الحاضرة والمستقبلية، وهي متغيرات داخل الظاهرة لا يقام لها اعتبار وحينها يفاجأ المتابع للأحداث بدَوْرها الكبير في تغيير العلاقات الإنسانية إن لم يكن هناك إرجاء إلى فترات أخرى، مع الوضع في الاعتبار أن حالة البحث في المسار الخاص بك لن تحصل خلاله على كل ما تريد، وأن هناك بعض التضحيات وهي من سنن الحياة، المهم أن لا تكون تلك التضحيات تفوق قدرتك على الاحتمال، المهم هو حتمية الوقوف وتعديل المسار إن كنت تسير في الطريق الخطأ ولا تقف عند حسابات العمر، أو عطائك للآخرين؛ لأن الحياة في مجملها مجرَّد ساعات وتنقضي فاستمتع بها ولا تجعل نفسك مجرَّد ذكرى للآخرين.


جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»