مسقط ـ (الوطن):
يوقِّع الباحث ناصر أبو عون اليوم الأحد في السابعة والنصف مساءً كتاب (القصة القصيرة في عمان .. شعرية القص وجماليات السرد والمكان) عن دار كنوز المعرفة الأردنية والذي يدرس من خلاله إبداعات الأجيال المتعاقبة من كُتَّاب القصة القصيرة في سلطنة عُمان مستعينا بأدوات (البلاغة الحديثة) وخاصةً تلك التي تقع ما بين شقي رحى (الحداثة وما بعدها) من طرف و(الاتكاء على (المحلية) في بنية الحدث القصصي) من طرفٍ آخر وتُضفِّر ما بين (بطلين)؛ الأول (بطل فردي السلبي) والآخر (بطل جماعي إيجابي)، وتسهب في وصف الشخوص والأمكنة والوسائل والأشياء بطريقة واقعية مشحونة بالتوتر الدرامي والبعد الموضوعي والطبيعي؛ وذلك باختيار فضاءات مرجعية واقعية كفضاء البداوة والمدينة.
ويرصد الكتاب لمصطلح (الشعرية القصصية) أو ما اصطلح عليه نقديا بـ (شعرنة القصة) وهي سمة تتبدى في مخيال الشباب العماني من كتَّاب القصة؛ حيث تطفو اللغة الشعرية على سطح (الموقف) وبنية القصة وهذه اللغة تتجلى فيما يُعرف بالانزياح بقسميه: (انزياح استبدالي)؛ من استعارة ومجازٍ وتشبيه – و(انزياح سياقي)؛ كالحذف والتقديم والتأخير، ويمثل (الانزياح) كاستراتيجية العمود الأكبر والفاعل الأساسي في تحريك المواقف في بنية الأحداث، وتتكئ (شعرية اللغة) على فاعليته داخل البناء القصصي، ودلالاته وتأويلاته على نحو ما نقرأ عند (عبد الله بني عرابة ومحمود الشكيلي وسمير العريمي وسعيد الحاتمي).
وتكاد تُجمع كافة الأعمال التي رصدها الكتاب على مستويات محددة من (السرد) ينحصر أغلبها في المستوى الأول: حيث نلاحظ سرد الأحداث من قبل السارد المشارك فيها. (سليمان المعمري.. نموذجا) ويأتي في المرتبة الثانية من السرد نرى ثلة من القاصين العُمانيين تعتمد (آلية المونولوج الداخلي)، و(حوار الذات) وصراعها وأزماتها وانعكاس تأثيراتها على اختيار القاص للمفردات والمعاني وإسقاطها على الواقع، بوصفه رؤىً ذاتية ألبسها ثوباً قصصياً، ونرصد ذلك واضحا عند (محمود الرحبي، وبشرى خلفان).
وعلى مستوى الكتابة النسوية برزت أكثر من عشرين قاصة عمانية خلال العقدين المنصرمين جئن إلى عالم الإبداع القصصي من بوابة الانفتاح على الآخر الخارجي وجرَّدن جسد القصة القصيرة من (عباءة الشعر) واستفدن كثيرا من تقنيات الفنون البصرية والسينما والمسرح والإسكريبت الإعلاني من جرّاء القراءة لمنتوج (القصة العربية المعاصرة)، و(القصة الغربية المترجمة) تتقدمهن (بشرى خلفان) بلا منافس في جرأة بلا ضفاف ولغة تحطم الحواجز بين عالم المرأة والرجل لتحكي قصة الإنسان خارج إطار المكان ومعها (أزهار أحمد)، و(رحمة المغيزوي)، و(حنان المنذري).
بينما نجد ندرة في سائر الإنتاج القصصي خاصة القصص التي تتخذ من (النسق التاريخي) والنبش في أحداث وشخصيات التاريخ العماني بوضوح متعمّد إلا عند (محمد الرحبي وسليمان المعمري)؛ ويأتي (سرد الجسد) وما يتوفّر عليه من غواية وإغراء في المرتبة الأخيرة لدى الكثير من كتاب القصة العُمانية ربما يرجع ذلك إلى سطوة التقاليد وتجذرها في المخيال الاجتماعي العماني وتتعمد غالية التجارب القصصية الهروب إلى الأمام باعتماد المواربة والتخفّي، واتخاذها مدخلا لاستنطاق المكبوت والساكن وتتمتّع بمقدار كبير من الرمز والتأويل، يجعلها قادرة على التطواف في غابات زاخرة من المعاني على نحو ما نقرأ في مجموعة (الإشارة برتقالية الآن) لهدى حمد.
وتأتي أسلوبية مزج (القصة القصيرة والسيرة الذاتية) لتمثل أحد ملامح مدونة السرد القصصي في عُمان وتشكل لدى كتاب القصة مساحات متفاوتة غير أنها أكثر بروزًا عند محمد الرحبي في مجموعتيه (بوح سلمى) و(بوح الأربعين)؛ ومعاوية الرواحي وفاطمة العبيداني وبدرية الإسماعيلي) حيث ينقل لنا هؤلاء الكتَّاب عبر قصصهم مشاهد كاملة من سيرة حياتهم بأسلوب أدبي، يرتدي ثوب الغرابة والإثارة.
ومن الحقائق التي توصل إليها المؤلف أنّ جيل الرواد الأوائل من كتَّاب القصة القصيرة في عُمان بدأ الكتابة مستندا إلى حقيقة فلسفية تتلخص في (أن الشاعر ينظر في المرآة بينما القاص ينظر من النافذة)؛ بينما جيل الشباب ومنهم الخطاب المزروعي، وحمود الشكيلي في (سرير يمتطي سحابة) وسمير العريمي في (سفر هو حتى مطلع الشمس) ومعاوية الرواحي في (إشارات) وعبد العزيز الفارسي في (لا يفل الحنين إلا الحنين) اتكأ على رؤية وبراعة فنية وقراءة معمقة للتراث القصصي والنقدي العربي والأجنبي فكتب القصة ببراعة فنية وحاول التجديد في المضامين واللغة وإن لم يغادر الشعر حارات قصصه القصيرة.