تُشكِّل ذكرى يوم الأرض جزءًا من الهُوِيَّة للفلسطينيَّة، وتأكيدًا على التمسُّك بالأرض مهما حاولت دولة الاحتلال الإسرائيليِّ تغيير الحقائق وسرقة الحقوق الفلسطينيَّة بقرارات أحاديَّة تعمل على تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة. ففي الثلاثين من مارس من كُلِّ عام يُحيي الفلسطينيون ذكرى يوم الأرض، الذي تُمثِّل ذكراه التي انطلقت في العام 1976، نتيجة اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدات سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل الفلسطينيَّة، مطلقًا رصاصات الغدر على عُزَّل لا ذنْبَ لهم إلَّا الاحتجاج السِّلمي على خطوات حكومة الكيان في ذلك الوقت نَحْوَ التهويد والاستيطان، والإعلان عن احتجاجات سلميَّة ودعوات للإضراب الشامل، فكان الرصاص الحيُّ العشوائيُّ وسيلة الكيان الغاصب لترويع السكَّان ولمنعهم من المشاركة في الاحتجاجات والإضراب الشامل الذي دُعي له، لِتسفرَ المواجهات عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة (49) تسعة وأربعين آخرين ونحو 300 معتقل.
لتصبح تلك الذكرى من وقتها وحتَّى الآن جزءًا مُهمًّا من الجرح الفلسطينيِّ، وشاهدًا على ما تلاها من عشرات السنوات التي مارست فيها تلك الدولة المارقة جرائم الحرب المستمرَّة التي أضحت وصمة عارٍ في جبين البَشريَّة الصامتة، حيث تمارس دولة الاحتلال الإسرائيليِّ القمع والإرهاب على مرأى ومسمع العالم، ليتحوَّل اليوم من ذكرى للصمود الفلسطينيِّ والحرص المتوارث جيلًا بعد جيلٍ على حماية الأرض والدفاع عنها رغم الجرائم الصهيونيَّة المستمرة، ليومٍ يحاكم فيه أبناء فلسطين الجلَّاد والعالم المتواطئ معه، الصامت على جرائمه، يومٍ يؤكِّد أنَّه مهما تواصلت الجرائم فأبناء فلسطين متمسِّكون بحقوقهم المسلوبة، ومستعدُّون لمواصلة النِّضال للذَّود عنها بكافَّة السُّبل والطُّرق التي تقرُّها المواثيق والقوانين الدوليَّة.
إنَّ هذا اليوم الفلسطينيَّ الخالد، كما يؤكِّد الصمود الفلسطينيِّ الراسخ دفاعًا عن الحقوق، ويُشكِّل محطَّةً فارقة في تاريخ الشَّعب الفلسطينيِّ الذي يواصل في العقد الثامن للنَّكبة خوض معركة الصمود والبقاء والتصدِّي للاستيطان والتهويد في كُلِّ فلسطين التاريخيَّة، في مشاهد تُبقي مأساة اللجوء وحلم العودة راسخةً في الذاكرة وفي النِّضال الجماعيِّ الفلسطينيِّ، فإنَّ هذا اليوم يُشكِّل أيضًا تأكيدًا على ما تحمِله دولة الاحتلال من مشاريع تسعى إلى سرقة فلسطين التاريخيَّة، مهما اختلفت الحكومات، وتغيَّر خطابها، تظلُّ الأطماع الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينيَّة والعربيَّة هي المحرِّك الرئيسَ لِمَنْ يقود هذا الكيان الغاصب، الذي تؤكِّد جرائمه يومًا بعد يوم هزليَّة أيِّ حديث عن السلام.
فلا يوجد فَرقٌ بَيْنَ قرارات حكومة رابين الذي يسوِّقه بعض العرب ـ للأسف ـ كأيقونة لفرص السلام مع دولة الاحتلال، التي اتَّخذت في عام ١٩٧٦ قرارًا بتحريك مخطَّط التهويد والاستيطان في الجليل بمصادرة (21) ألف دونم من أراضي سهل البطوف والمَلّ والشاغور، والتي تعود ملكيتها لمزارعين من سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد، وبَيْنَ ما تفعله الحكومة الحاليَّة من خطط استيطانيَّة، ولا بَيْنَ مجزرة الجليل، وبَيْنَ مجزرة جنين. باختصار طالما استمرَّ الصَّمت الدوليُّ على الجرائم الصهيونيَّة، وعدَم محاسبة دولة الاحتلال الإسرائيليِّ، ستتواصل الجرائم المرتبطة بالمنهج الصهيونيِّ، وسيظلُّ الصمود الفلسطينيُّ رغم العالم المتخاذل.