[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
كم عدد الشباب العراقي المغترب؟ هذا سؤال لا يستطيع الاجابة عليه أحد، والسبب في هذه الصعوبة يعود لأسباب عدة، يقف في مقدمتها أن تعريف الاغتراب بالنسبة للعراقيين لم يعد هو التعريف التقليدي الذي يمكن وضع مواصفاته وتطبيقها على الشباب العراقيين، واخطر انواع الاغتراب عندما يكون الشاب فاقدا للأمل الحقيقي بمشروع الحياة قبل كل شيء، ومن ثم يفقد الثقة برمزية المجتمع في مختلف مفاصلها، الحياتية والاجتماعية والمبدئية وغيرها.
ولم تعد الغربة بالنسبة لملايين الشباب العراقيين تتمثل وتتحدد بالغربة المكانية التي غالبا ما تؤثر في الإنسان، فتدفعه للعيش وسط هواجس متناقضة وينتج عنها قلق يسمى بالمشروع بسبب تأثير المتغير المكاني للمرء، بل اصبح الوضع مختلفا تماما بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين يشعرون بالاغتراب المكاني حتى بين اهلهم وفي بيوتهم ، وفي حالة كهذه فأن المعيار قد انتقل من الغربة التقليدية زمانيا ومكانيا إلى غربة اخرى اعمق واوسع واخطر من سابقتها.
بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ، بدأت ملامح غربة جديدة، لكن هذه الغربة لم تطحن في حينها الكثير من الشباب إلا اولئك الذين تلمسوا خطورة الزائر الثقيل المزعج المثير للتساؤل، وتوزع هؤلاء بغربتهم الذاتية بين صامت حتى يرى أين تصل الامور، وسلبيا ازاء ما طرأ في الواقع العراقي، واخرون قرروا الوقوف بوجه الغازي، والفئة الاخيرة أدركت مبكرا أن بقاء هؤلاء على أرض العراق سيفتح ابواب جهنم على هذا الشعب من كل نافذة ومن جميع المنافذ والابواب.
لم يكن التعامل مع الوضع الجديد الزاخر بالسوء بالأمر الهين والسهل، فقد طغت موجة القبول بما يحصل، وغضّ الكثيرون النظر عن وحش يهين ويقتل ويدمر، وقال البعض في تفسيراتهم السلبية، كيف لنا مجابهة هذه القوة، وطالب اخرون بالتكافوء في ميزان القوة، وهو الأمر الذي لم يحصل في الكثير الكثير من تجارب الاحتلالات في العالم عبر التاريخ.
القى الواقع المرّ بظلال ثقيلة على حياة الناس، لكن الذين تأثروا بوعيهم المعلن وبالوعي الداخلي هم شريحة الشباب، فكان القبول بالغرباء وحتى الصمت يؤذي الكثيرين في دواخلهم، وكان المتصدي للغرباء يحز في نفسه ألم صمت الاخرين، دون أن يدركوا ماذا تحمل المقبل من الايام.
تدحرج الشباب وسط عاصفة هوجاء، اعتقد البعض أنها ستتوقف، وظن اخرون أنها لن تترك الصدأ والخطر والظلمة الداكنة.
فعصف الاغتراب بالكثيرين، وما زال في قطار الغربة الكثير للأسف الشديد.