[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” تشير الدلائل والظواهر والسلوكيات الماثلة أمامنا إلى تدني واضح في مستوى القراءة وضعفا في الإقبال على اقتناء الكتب ويتبين ذلك شاهدا عند قيامنا بزيارة إلى بعض المكتبات التي يقل روادها عاما بعد عام, وقلما تستطيع مكتبة ما الصمود والبقاء إذا ما اعتمدت في مبيعاتها على الكتب فقط, وفد أقفل الكثير منها لهذا السبب,”
ـــــــــــــــــــــــ

دعوة للقراءة بمناسبة معرض مسقط للكتاب في دورته العشرين
أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
(المتنبي)
( 1 )
بيت من الشعر قاله المتنبي منذ اكثر من ألف عام تتناقله الألسن جيلا بعد جيل وتتمثله كما هي معظم قصائد وابيات وأشطار المتنبي التي يحمل كل منها في طياته حكمة خالدة سطرها التاريخ تنم عن فكر سام وتشي بعبقرية فذة وفلسفة رائده , لوحات فنية صاغها شاعر مبدع قلما يخرج الزمان مثيلا له , ونادر هو الشعر الذي يماثل شعره جودة وشأنا وعلوا ولغة , وان كنت لا أتفق مع الرجل في طموحاته المادية وشغفه بالمناصب التي قضى جل حياته في البحث والعمل والتخطيط من أجلها فجاءت معظم إبداعاته الفنية الراقية لخدمة هذا الغرض , ولو نهج أبو الطيب في حياته منهج قرينه في الحكمة والفلسفة صاحب المحبسين فتفرغ للأدب والشعر والفلسفة وغيرها من العلوم لما خلته إلا فيلسوف العرب وحكيمها الأول , ولن يكون فقط شاعرها, أما وأن الرجل قد سار على هذا الطريق فما لنا أن نلومه على فكره ونهجه الذي اختطه في حياته ونكتفي بما تركه لنا من كنوز شعرية وما سطره من عقود ثمينة في الأدب والحكمة والفلسفة يشكر عليها , إنني ما زلت اذكر قول أحد المفكرين ((عاش المتنبي ولا هدف له ولو كان له هدف محدد لنبغ في تحصيله)) .
( 2 )
وبالرجوع إلى موضوعنا الرئيسي لهذا المقال الذي خصصته للحديث عن أهمية القراءة وفوائد صحبة الكتاب, وعودة إلى الشطر الثاني من بيت المتنبي فان الرجل استنتج من خلال خبرة طويلة وبحث وتقص , ومن واقع علاقاته وصداقاته وتنقلاته المستمرة من بلاط إلى آخر , وبعد معرفة بالزمن وأهله وبعد اكتشافه للمؤامرات والدسائس التي نالت منه ومن غيره , اتضح له بان خير جليس وصديق في هذه الحياة التي يعيشها المرء هو (الكتاب) الذي يحفظ الصحبة ويمتع الصاحب ويمده بالزاد , وهو المأمون من الغدر والخيانة وغوائل الأيام وهو الذي يرفع من شأن صاحبه قدرا ومكانة وعلوا . وقد كان للكتاب مكانة هامة عند العرب وهم الذين نزل افضل كتاب على وجه الأرض (( القرآن الكريم )) بلغتهم وفي أرضهم, والذي تضمن آيات واضحة كريمة تحث على طلب العلم والأمر بالقراءة وترفع من قدر العلماء وتصفهم بأنهم الأكثر خشية ومعرفة بالخالق ومن هنا اندفع العرب وهم الذين نبغوا في قول الشعر نحو القراءة والتأليف والترجمة والاطلاع وانشأوا مدارس فكرية كرست مبدأ الحوار وتداول الرأي البناء الهادف فأبدعوا علوما واخرجوا كنوزا أفادت البشرية, فكانت المشعل الذي أنار الطريق للحضارات الأخرى بعد أن خمدت الحضارة الإسلامية وانطفأت شعلة العلوم فيها وأضاع المسلمون الطريق القويم الذي وضعوا عليه خطواتهم الأولى وأهملوا الكتاب وتركوا القراءة فنعست عقولهم وماتت ملكة الإبداع لديهم حتى وصلت بهم الأحوال إلى ما وصلت إليه وليس هناك وللأسف وميض جمر يلوح بين الرماد ينبئ بأنهم على وشك الانتفاضة.

( 3 )
تشير الدلائل والظواهر والسلوكيات الماثلة أمامنا إلى تدني واضح في مستوى القراءة وضعفا في الإقبال على اقتناء الكتب ويتبين ذلك شاهدا عند قيامنا بزيارة إلى بعض المكتبات التي يقل روادها عاما بعد عام, وقلما تستطيع مكتبة ما الصمود والبقاء إذا ما اعتمدت في مبيعاتها على الكتب فقط, وفد أقفل الكثير منها لهذا السبب, وإذا نالت بعض الكتب الاهتمام والإقبال فغالبا ما تكون ضالعة بأحوال الطبخ والجنس والكتب المخابراتية ... أي الكتب الأقل ثراء وغنى وتثقيفا ونهوضا بالفكر وتنمية للإدراك وتوعية للروح, كما يتضح ذلك أيضا من خلال اهتمامات الإنسان وانشغاله وسلوكياته ومناقشاته التي تتركز على أمور وقضايا ومسائل مادية تكرس الأنانية وحب النفس وتقترب من النواحي الشكلية وتبتعد عن الجوهر والمضمون, وهي ولا شك إشارة واضحة إلى ضعف القراءة وتدني مستوى الثقافة لدى الأفراد.
( 4 )
إذا كان الماء حياة الأجساد فإن القراءة حياة الأرواح, وإذا كان الطعام غذاء الأبدان فان المطالعة غذاء العقول, كيف هي النتائج لو انشغل كل فرد من أبناء المجتمع وفي وقت فراغه بالقراءة والمطالعة, ماذا لو اصطحب كل منا كتابا أو نصا أو أي مادة صالحة للقراءة ينهل من معينها يتزود علما وثقافة ومعلومات, نتصفح الكتاب ونحن منضبطون في الطابور ننتظر الدور, نقرأ في الحافلة والمتنزه والمنزل ... الخ ألن يكون ذلك علاجا من داء الثرثرة وبث الإشاعات والنميمة؟ ألن تخلصنا القراءة من الملل والتململ والضيق في الطابور والتفكير في القفز إلي الأدوار الأولى! ألن يشغلنا الكتاب عن الذهاب إلى الملاهي والمواقع الفاسدة! ألن يحول بيننا وبين قضاء وقت الفراغ في ممارسة العادات السيئة والمضرة! هل يمكن أن نعدد محاسن الكتاب ونسرد فوائد القراءة ومنافع المطالعة في الإصلاح والتوجيه والتوعية والرفعة من شأن الإنسان والرقي بمستوى تفكيره وتقريبه من حقائق الأمور كلما غاص في أعماق الكتاب وأخذ من مكنونات علمه, اعتقد وأؤمن بأن للكتاب فوائد جمة يطول سردها, فيا حبذا لو يخصص شهر " للكتاب " من كل عام تبث فيه التوعية وتعد الفعاليات والندوات التي تحث على أهمية القراءة وتبيان فوائدها وتنشأ المؤسسات والمكتبات العامة والمنتديات الثقافية ويفعل دور الموجود منها, ويفتح باب الحوار والمناقشة والنقد وتطرح المواضيع والقضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية العالمية والإقليمية والمحلية. لقد أعاد معرض الكتاب الدوري الذي تنتظم فعالياته في كل عام في العاصمة مسقط للكتاب مكانته وكان عاملا مهما في تشجيع العمانيين على شراء الكتب وعلى اعداد قائمة مختارة بعناية لهذا الهدف النبيل, وكان حافزا على المطالعة والقراءة, وشكل عنصر توعية مهمة في توطيد علاقة الانسان بالكتاب, ولم يتمكن الكتاب الالكتروني ولا محركات البحث العالمية وروابط المكتبات والمؤسسات العلمية والتي تحتوي على كم هائل من المعلومات والنصوص والملفات والكتب والوثائق من اضعاف مكانة ودور الكتاب الورقي بإخراجه الفني وتشكيلاته الواسعة وألوانه البهية وخطوطه الجميلة, والذي تعشقه الأفئدة وتتلهف إليه العقول ويحتضنه الجسد بين ثناياه كما تصنع الأم بوليدها, غريزة أبدية وعلاقة وجدانية لم يصبها الوهن والضعف ولم تؤثر عليها الأيام والأزمان بل زادتها قوة وعمقا وصلابة, ووعيا وإدراكا بما يحتويه الكتاب من علم وما يحمله من لألئ صاغها بعلومه ومهاراته وقدراته الواسعة أستاذ مقتدر ومؤلف لم يبخل على تلامذته وعشاق كلماته ومتابعيه بما يملكه من علم. إنه الكتاب .. ذلك المفعول السحري الذي يطلق المواهب من عقالها, ويبرز الإبداعات ويساعد على طرح الأسئلة وفهم المشكل منها ويمدنا بالإجابات الشافية على التساؤلات المحورية ويعالج التصحر الفكري والثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا, فما أحرى بنا ونحن نعيش أجواء معرض مسقط للكتاب بأن ننتهز هذه الفرصة الثمينة للقيام بزيارة إلى هذا المعرض من أجل التنزه بين لآلئه وتفحص الدرر الثمينة التي يحتويها والإطلاع على آخر المستجدات من موضوعات وعناوين تدخل ضمن اهتماماتنا وتطلعاتنا سعيا إلى شراء واقتناء البعض منها, وحرصا على تطوير إمكاناتنا وتثقيف أبنائنا ودعم هذا المعرض السنوي الحافل فما ضاع مال ذهب في سبيل كتاب نتزود من معينه الفكري والروحي وإبداعاته الثمينة.