جاء توجُّه رئيس وزراء دولة الاحتلال «الإسرائيلي» نتنياهو للتوقيف المؤقت للخطوات المُعلنة من قبل الائتلاف الحكومي لإضعاف سلطة القضاء، محاولة لتهدئة الشارع المعارض مقابل استرضاء حلفائه من «الصهيونية الدينية»، عبر منحهم حق تشكيل مجموعات مسلحة (ميلشياوية) من المستوطنين في الضفة الغربية.
ومع هذا، لا بُدَّ من التطرق إلى حالة الانقسام الحاصل في «إسرائيل» بشأن مشروع نتنياهو لإضعاف سلطة القضاء وتقليص دَور المحكمة العليا، الانقسام الذي فَرَضَ نفسه على كل مناحي الحياة اليومية. السياسية، والعسكرية، والأمنية، والتشريعية، وصولًا إلى المسائل المُتعلقة بالعامل الاقتصادي، حيث تنتظر «إسرائيل» أزمةٌ اقتصاديَّة يَصعب تقدير حدودها النهائية من الآن. أزمةٌ إنَّما هي واحدة من جملة أزمات بدأت تضغط بقوَّة على تل أبيب نتيجة الانقسام الداخلي الحادِّ، وسيكون من شأنها أن تفقد فيها «إسرائيل» القدرة المعروفة على جذْب الأموال والاستثمارات خصوصًا اليهودية من الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي للاستثمار في «إسرائيل».
فقد كان، وما زال، للاستثمارات «الإسرائيلية» القادمة إليها، أو الخارجية منها إلى دولٍ عدَّة على يدِ مستثمرين يهود، إسهامًا كبيرًا، في إرساء رخاء اقتصادي نسبي فيها «تاريخيًّا» منذ إقامة «الكيان الإسرائيلي» على جزء كبير من أرض فلسطين التاريخية عام 1948. فالاستثمارات في «إسرائيل» نمَّت بتصاعد، وفي المقدِّمة قِطاع الصناعات المُتعلقة بالسلاح وتقنياته، وتصديره للدول الإفريقية وبعض دول أميركا اللاتينية، وبعض دول جنوب شرق آسيا مثل بورما ونيبال وغيرهما. إضافة لصناعات الـ(هاي تك) التي تجلب الأرباح الفلكية. وفي هذا الميدان قال مُحافظ «بنك إسرائيل المركزي» أمير يارون، بعد أن شارك في مؤتمر لـصندوق النقد الدولي في مدينة دافوس: «إن ثمَّة قلقًا لدى شركات التصنيف الائتماني الدولية من آثار التشريع القضائي الجديد في إسرائيل على الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية».
ومن المعروف والمعلوم، أن رأس المال المحلِّي، أو الخارجي، «جبان» ولا يقبل الخسارة، وبالتالي المغامرة، ومن هنا، فالاقتصاديون والمستثمرون حريصون على ضمان جني الفوائد والعوائد الماليَّة، وحماية استثماراتهم بدلًا من وضعها تحت مهب الريح في «كيان أو دولة» يتمُّ فيها تخفيض قدرة وسلطة القضاء على الفعل والتأثير. وفوق كل ذلك، إن «الاقتصاد الإسرائيلي» يعيش الآن هواجس المُتغيرات الأخيرة، إضافة لمسألة تخفيض سلطة القضاء، سخاء نتنياهو مع مجموعات «الصهيونية الدينية» والجهات التوراتية الحريدية بتمويلها بالميزانيات من الناتج العام بما يشمل تمويل معاهده ومدارسه الدينية ومؤسَّساته التربوية، إضافة إلى المساعدات التي يتلقَّاها أعضاؤه ربطًا بعدد أفراد أُسرهم، ومِنح مباشرة وغير مباشرة، على شاكلة إعفاءات ضريبية وسَنِّ قوانين اجتماعية مكْلفة للخزينة، في عملية شراء مكشوفة لتحالفها معه في إطار الحكومة الحالية، والثمن مقابل ذلك يتم بالوقوف مع نتنياهو إلى جانب مشروعه المطروح للحدِّ من سلطة القضاء ودَور المحكمة العليا، وهروبًا من المقاضاة وشطبًا للملفات التي يحمل أوزارها كالفساد والرشاوى وغيرها، وهي ملفات يحملها أيضًا رئيس حزب (شاس) أرييه درعي المتحالف مع نتنياهو في الحكومة الحالية. إنَّ كلَّ التحذيرات التي أطلقها المتظاهرون في شوارع تل أبيب وبعض المدن، لم تردع نتنياهو حتى الآن، أو تدفع به للتراجع عن مشروع بشأن إضعاف سلطة القضاء، حيث يُصرُّ على ما يسمِّيه «الإصلاحات في القضاء» ساعيًا في تحقيق أغراض إضافية، منها «إسقاط التُّهم المُوجَّهة إليه، والسعي وراء البراءة التامَّة من الملفات التي ينوء تحت أثقالها».



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]