سؤال ما زال يشغل بال المتابعين للمغامرة الأميركية التي أودت باحتلال العراق ووضعته في خانة الدول التي لم تستطع النهوض، وأخرجته من معادلة الصراع بالمنطقة والإقليم.
هذه الحرب كثير من الأطراف المجاورة لها خسرت من تداعياتها، فيما أخرى استفادت منها تقف في مقدِّمتها «إسرائيل» التي وجدت في غياب العراق من معادلة الصراع بالمنطقة من عدو (العراق) أخرجته من دون حروب.
وعندما نتحدث عن طرفين تقاطعت مصالحهما بغياب العراق وإخراجه من هذا المعمعان، فإنَّنا نتوقف عند المسارين الأول وهو العربي الذي وجد في إخراج العراق من معادلة الصراع انعكاسًا سلبيًّا على موجبات الأمن القومي العربي من خلال فقدانه لأهم ركيزة في عناصره، ما فتح المنطقة أمام أطماع وأهداف كانت حاصل الاحتلال، ما أدَّى إلى تشرذم العمل العربي وضياع بوصلة وحدة الموقف والرؤية لمواجهة ما جرى في المنطقة من انفلات وفوضى بعد غزو العراق واحتلاله.
لكن يبقى الخاسر الأكبر في عملية غزو العراق واحتلاله هو بالتأكيد العراق بكل ألوانه وطوائفه؛ لأن الاحتلال لم يحقق لهم وطنًا تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وخاليًا من إرهاصات الثأر والانتقام والاحتراب الطائفي. أمَّا المسار الثاني فالمستفيد من غزو العراق واحتلاله، فضلًا عن «إسرائيل»، هو ظهور ظاهرة التطرف الأعمى الذي أدخل العالم في أتون صراعات لم تنتهِ حتى الآن وسارعت التداعيات التي نتحدث عنها بظهور القاعدة، ثم داعش في مشهد خطير، وكأن ما جرى في العراق كان إيذانًا بظهور ما يطلق عليه الإرهاب العالمي.
وإذا عدنا إلى التساؤل مرَّة أخرى: لماذا أوصلت حملة التحريض ضد العراق من قبل صقور إدارة بوش الابن إلى غزوه واحتلاله من دون دليل قاطع عن امتلاك العراق أسلحة محظورة وعلاقته بالإرهاب، وفق ما اعترف به بعض هؤلاء لتغيير النظام فيه وإعادة إنتاج نظام جديد على وفق الرؤية الأميركية/ ديمقراطي يتمتع شعبه بالحرية والعدالة، فضلًا عن تسويقه كنموذج للديمقراطية والتعايش السلمي في المنطقة عمومًا؟
إذًا لماذا حرب العراق؟ وما هو ثمن تلك المغامرة؟ وهل كسبت الولايات المتحدة الأميركية ودَّ العراقيين كما ادَّعى صقورها بغزوها لبلادهم وتخليصهم من (نظام ديكتاتوري) ووضعهم على سكة الحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتنمية والسلم الاجتماعي؟ والأكثر أهمية في حرب العراق وتداعياتها على الجميع فإن جميع الأطراف خسرت وتضررت من المغامرة الأميركية، فتحوَّل الرابح إلى خاسر بفعل ارتدادات ما جرى في التاسع من نيسان/ أبريل 2003 إلى حد أن الذين حرَّضوا الرأي العام الأميركي والدولي عبَّروا عن ندمهم وتراجعوا من تلك الاتهامات التي قادت أميركا إلى خيار الحرب.
وأمام هذا المشهد الذي تداخلت بين طياته الألوان باستثناء لون أسود بقي في ذاكرة العراقيين والعالم كعلامة تشير إلى أن العالم بعد غزو العراق واحتلاله لم يصبح آمنًا ويسوده العدل والسلام وخاليًا من الخوف.


أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]