[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
أي لحن سيبقى للطفولة العربية التي تعيش هرج ومرج كبارها ونزعات مجانينها من التكفيريين الذين قرروا موتا مختارا لهم، ومفروضا على الآخرين، وعلى الأطفال بالذات.
اصابني مشهد الأطفال الذين ضربهم التفجير الانتحاري في مدينة الهرمل اللبنانية بالكآبة وانا اتطلع إلى احدهم وهو يتمرد على وضعه لكن سنه الذي لم يتجاوز السنة لم يسمح له بأكثر من الشقلبة يمينا ويسارا. وليس هو الطفل الوحيد الذين قرروا رسم بداية فاجعية لحياته من اجل ان ينهيها قبل ان تبدأ .. كما انهم رسموا له علامة الذل المنحوتة في شخوصهم من كثرة التبعية للأجنبي الذي دللهم من اجل ان يميتهم على طريقته.
لم يبق لنا اطفال في دنيا العرب نعتز بقولنا لهم انهم المستقبل الذي يعوض لنا ما فات وما خسرنا وما لم نستطع تحقيقه. صرنا نحن من نتحسر على مستقبلهم من خلال نمط حياتهم المعذبة التي تعيش بين النار والنار وبين جحيم القتال وجحيمه، بين قساوة الكبير على الكبير ومشهده أمام الصغير الذي يختزن إلى الأبد ما يراه ويسمعه ويعيشه .. ألم نر طفلا يهم بذبح رجل ويفعلها مرات، ثم اطفال يحملون السلاح ويسترجعون صدى كبار رأوا فيهم "بطولة " لن يكتشفوا كذبتها الا في وقت متأخر، وذاك الطفل ابن الخامسة او السادسة الذي كان يطلق النار من كلاشينكوف هو اكثر وزنا منه ثم يتحدث مذهبيا كما علموه ولقنوه، فما الذي سيكون عليه عندما يصبح شابا او فتى في مقتبل العمر.
لم ترحم الاجيال الحالية اطفالنا من ذنوبهم الكثيرة، أدخلتهم في متاهات العدوانية وهم بعد في مرحلة البحث عن اسئلة وليس أجوبة مقنعة وغير مقنعة .. وها هم كبروا قبل ان يكبروا، ادخلوهم الاجرام قبل ان ترسل ذقونهم شعرا ينم عن عمر الورود، فقتلوا فيهم حب الحياة الذي هو صحوة الانسانية في عز جماليتها.
دراسة بسيطة اجتماعية تنبئ بأن جيلا عربيا قد تم تخريبه، وثمة جيل لم يصبح بعد جيلا في طور التخريب، ومن هم في بطون الأمهات تنفسوا رائحة الدم والبارود. اجيال وراء اجيال تعيش ضياعها لن تستثني احدا ممن سبقوها لتحملهم مسؤولية هذا الخراب، وبدورهم اولئك الكبار فإما ان يموتوا وترتاح الأمة منهم واما ان يعيشوا مرذولين ومرفوضين متأسفين على ذنوب كثيرة اقترفوها ليس بالمستطاع تصحيحها بعد ان مضى العمر وشاخ فيه من شاخ.
ما زلت اذكر كثيرا من الذين اشتركوا في الحرب الأهلية اللبنانية كيف هم عليه الآن من ندم ومن خجل امام الذات والآخر والله. يعيشون حالة انطواء ولا يتحدثون الا بقوة الكلمات التي ستقال لأن علامات الأسى على ما فعلوه وما ارتكبوه من قتل وتدمير وفحش يحز في نفوسهم، واذا ما تحدثوا إلى الاعلام فمن باب الاعتذار للوطن ولاهل الوطن ولكل من كانوا مسؤولين عن عذاباته الماضية او تلك التي اورثوها له.
ارحموا طفولتنا العربية، واذا ما اردتم الانتحار ايها الكبار فاختاروا له المكان المناسب بدل ان تعكروا صفو تلك الطفولة التي خربتموها ولم يعد لها سوى ان تختار الطريق الذي اخترتموه، وهو الضلال بعينه، ولا دنيا لمن ليس له دينا حقيقيا غير هذا الذي يرفع التكفيريون ولاءه.