المتابع لمسيرة القمم العربية منذ أول قمَّة عقدت في الإسكندرية عام 1946 يستطيع القول إنَّها كانت تسعى لبلورة رؤية عربية مشتركة لمسيرة العمل العربي؛ لمواجهة الأخطار التي تستهدف حاضرها ومستقبلها، وفي مقدِّمة جدول أغلب القمم العربية كانت فلسطين تتصدر الملفات بعد تغوُّل إسرائيل في تماديها على الأرض والمياه، واستمرار إنكارها لحقوق شَعب فلسطين.
ولم تكن فلسطين استثناء في هيمنة قضيتها على جدول القمم العربية، وإنما كانت أزمات وأحداث عربية كبيرة توقف عندها القادة العرب كتحدٍّ يتطلب وحدة الموقف العربي لمواجهتها.
وعندما نتوقف عند مسار العمل العربي في إطار القمم العربية، نستطيع القول إن قمَّة القاهرة عام 1970 كانت قمَّة تاريخية ليس في نجاحها لوقف نزيف الدم بين شقيقين في الأردن، وإنما كانت أيضًا خسارة راعي نتائج القمَّة الزعيم جمال عبد الناصر الذي نجح في وأد نار الفتنة التي كادت أن تحرق الجميع.
وبقيت مصر عبد الناصر في سعيها لتحقيق وحدة الموقف العربي عبر قمم جامعة الدول العربية أو عبر الاجتماعات المنفردة بين القادة العرب، فكانت قمَّة الإسكندرية عام 1964 التي دعا إلى انعقادها الرئيس جمال عبد الناصر لمناسبة قيام «إسرائيل» بتحويل مجرى نهر الأردن في محاولة لوقف هذا العدوان الإسرائيلي على الحقوق العربية.
ويبدو أن الأحداث الكبيرة التي كانت تواجه العمل العربي ومخاطرها على الأمن القومي العربي كانت تجد صداها في القاهرة ومقرِّ جامعة الدول العربية، فكانت قمَّة القاهرة في آب ـ أغسطس 1990 قمَّة استثنائية بكلِّ المقاييس؛ لأنَّها شهدت انقسامًا حادًّا في موقف القادة العرب إزاء التعاطي مع الاجتياح العراقي للكويت وما تلاه من مواقف لم تكن بمستوى الوصول إلى حل عربي وتسوية سلمية لوقف حالة التراجع بالموقف العربي، ومخاطر الخيار العسكري الذي أدَّى فيما بعد باحتلال العراق.
كما شهدت مؤسسة جامعة الدول العربية وقممها العربية تحوُّلًا كبيرًا بانتقالها من مصر إلى تونس، وهو القرار الذي اتخذه القادة العرب في قمَّة استثنائية عقدت في بغداد في مارس ـ آذار 1979 تقرر فيه تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية بعد خمسة أيام من توقيع مصر على معاهدة السلام مع «إسرائيل»، إلا أن القطيعة العربية لمصر لم تدُم، فأعاد العرب علاقتهم المقطوعة مع مصر، وتقرر عام 1989 عودة جامعة الدول العربية إلى مقرِّها في القاهرة. توقفنا عند مثابات مهمة في مسيرة العمل العربي وأبرز قممها العربية التي تصدرتها القاهرة وبغداد وعمَّان ودمشق طبقًا للتحدِّيات التي واجهت الأُمَّة العربية وقضيتها فلسطين، وتطلبت موقفًا عبر مؤسسة القمم العربية، ومنسوب الواقع العربي في تلك المراحل.
ونخلص إلى السؤال: هل ما زال خيار القمم العربية في ظل التشظِّي العربي في مواجهة الأزمات التي تعصف وتعطِّل البحث الجدِّي عبر موقف موحَّد لحل هذه الأزمات التي تعرقل وتعطِّل تشغيل دوران محركات مؤسسة جامعة الدول العربية؟
ونضيف: هل حققت القمم العربية ما يتطلع إليه الشارع العربي من آمال بالأمن والرخاء والاستقرار؟
حتى لا نستغرق في التفاصيل، فإنَّ الواقع العربي يتراجع، وأزماته تثقل كاهل الجميع، الأمر الذي يتطلب رافعة قومية تستند لرؤية لمشروع عربي جامع يرفع منسوب الوحدة والتوافق والتلاقي بين أقطار الأُمَّة وما يواجهها من مخاطر تتعلق بوجودها في ظل المتغيرات في موازين القوى والمصالح التي تنعكس شرورها على أُمَّتنا التي تقف حائرة بين معمعان ما يجري في عالم مضطرب. وإزاء هذا الواقع الذي لا يسرُّ الجميع ولا يرتقي إلى مستوى ودَوْر روَّاد العمل القومي الوحدوي الذين كانوا نواة انطلاقة مؤسسة القمم العربية، وأرسوا دعائم العمل العربي المشترك.. هل حان وقت مراجعة ما جرى ويجري منذ انطلاقة أول قمَّة عربية عام 1946 وحتى الآن، واستشراف رؤية جديدة لمسار وطُرق قد توصلنا إلى مقتربات طريق قد يبدو طويلًا ووعرًا؟ إلا أن المجازفة في ولوجه أصبحت ضرورة في وقت تداخلت فيه الأزمات التي باتت تطرُق أبواب الجميع.



أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]