عندما حمل المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أوراق اعتماده إلى دمشق كانت تجربة من سبقه قد سقطت أمام الهجمة العربية الدولية التي أحرجت المبعوث العربي الأخضر الإبراهيمي الذي سبقه فأخرجته كما أخرجت ماقبله أيضا. لكن المبعوث دي ميستورا أراد أن يخرج عن المألوف، وكان قد شاور قبل مجيئه فتم التوافق على تجميد الحرب في منطقة حلب كمقدمة أو كتمهيد لتطبيقها على الأراضي السورية كلها إن هي نجحت.
غاب المبعوث الأممي وعاد إلى سوريا مرات، وفي كل منها كان متمسكا بفكرة التجميد، فكانت الدولة السورية موافقة، في حين ظل التوافق الأوروبي الأميركي قائما أما بعض العربي فظل على تردده، إلى أن أوضح هذه المرة موقفه في رفض المعارضة السورية التي أطلقت على نفسها هذه المرة مسمى "هيئة قوى الثورة في حلب" لفكرة التجميد، إضافة إلى رفض بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة، وهذا الموقف لايبدو أنه نابع من حكمة تلك المعارضة أو من قدرتها على إرشاد المبعوث الأممي على خطوة مغايرة، بقدر ماهي صدى لموقف تركي بالدرجة الأولى، ممهور بموقف لبعض العرب الذين باتوا معروفين ويمكن الإشارة إليهم دائما.
المضحك المبكي أن هذه المعارضة غير المتألفة أصلا، تطلق تصريحاتها العنترية وكأنها تملك البر والبحر والجو معا، أو أن لها دالة على الواقع الميداني الذي هو أصل الكلمة الفصل. وحين يقال إن هذه المعارضة المشتتة التي تتعايش على أموال الغير وفي مقراته المختارة، يسكنها الحلم القديم بأن تكون هي سيدة السلطة في سوريا، وهو حلم دونكيشوتي مضحك فيه كل السخرية الحاضرة في قواميس الكوميديا العالمية. ولأنه هاجسها فهي بالتالي مأكولة الظن بأنها مسموعة، في حين لا أحد يتطلع إليها ولا هي حاضرة لافي وجدان شعبها السوري وأمتها، ولا هي قادرة في الأساس أن تترجم حضورها في الساحة التي تبنى فيها المواقف الكبرى.
من هنا، لابد أن يكون موقفها من فكرة دي ميستورا صدى إذن لآخرين ليس أقلهم التركي الذي مازال يهجس ليل نهار بإسقاط الرئيس السوري حتى صارت الفكرة مرضا مزمنا. في حين تبدو الأجواء العربية المركبة على قاعدة التطورات، وكأنها تتجه لمعالجة الوضع العربي المأزوم وهو وضع تعتبر الأزمة السورية أحد أبرز إفرازاته الكارثية، ولكن المسار الذي تتجه إليه الأمور نتيجة الحركة التركية التي تضع في اعتبارها الواقع السوري، يشي بغير ذلك، وهذا ما تترجمه التدريبات التي تقوم بها للمعارضة بزعم من أجل محاربة " داعش " بينما الواقع ويوميات الأزمة السورية تؤشر أنها قوة مضافة ضد الدولة السورية.
موقف المعارضة السورية المضحك المبكي إذن بكل تعبيراته التي تعني من هم وراءها، إنما هي صورة العجز الفاضح أمام مايصنعه الجيش العربي السوري سواء في الجنوب أو في منطقة حلب أو في رده على " داعش " في منطقة الحسكة وإعادة القرى التي نهبها التنظيم التركي الأميركي الإسرائيلي وبعض العربي " الداعشي".