الاستعمال الثالث:
تستعمل حرف عطف يعطف ما بعدها على ما قبلها، نحو: أكلت السمكة حتى رأسَها، ومات الناسُ حتى الأنبياءُ ،ونظرت إلى الطلابِ حتى الضعيفِ منهم، وقَدِمَ الحجاج حتى المشاةُ، وصرفتُ المالَ حتى الدراهمَ (أي والدراهمَ)، فهي حرف عطف يعطف ما بعده على ما قبله في الحكم، وهو مبنيٌ على السكون، لا محل له من الإعراب.
الاستعمال الرابع :
أن تكون ابتدائية ، وذلك إذا دخلتْ على فعل ماض، أو جملة اسمية مصدرة بالمبتدأ، أو فعل مضارع مرفوع، لا منصوب، نحو: “ ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء “، ونحو: أكلت السمكة حتى رأسُها (بضم السين) (أي حتى رأسُها أكلتُه )، أو مضارع مرفوع، نحو: مرض زيد حتى لا يرجونه (فالمضارع هنا مرفوع ) ؛ ولذلك أيضا من علاماتها وضوابطها أن الحرف “إن”المؤكِّد تنكسرهمزته وجوبا بعد “حتى” .
نقول :تكلم حتى إنه لم يُبْقِ لأحد عذرا - غاب غيابا طويلا حتى إننا ظننا أن قد حدث شيءٌ .
ف”حتى” ابتدائية لها علامات، منها أنها على الجانب النحوي توجب كسر همزة (إنَّ) بعدها ، فتكون “حتى” هنا ابتدائية والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب، وتأتي بعدها جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبر، أو فعلية ذات فعل ماض- كما سبق-، أو مضارع مرفوع ، لا منصوب، فإن كانت الجملة مبدوءة بإنَّ تعين كسر همزتها وجوبا، أو يجيء بعدها الفعل المضارع المرفوع، وعندئذ تسمى ابتدائية، وتأخ الجملة بعدها حكم الجمل الابتدائية أو الاستئنافية، وهي تُعرَف بتلك السمات النحوية المشروحة سلفا، ومن علاماتها كذلك أنه يمكننا حذفها في ذهننا، ووضع الظرف(إذ) مكانها، ويستقيم المعنى، وتصح الدلالة، ويظهر المفهوم، ومنها قول النحويين السالف الذكر:” مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه”، ونحو:” حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)” سورة الأعراف.
وملخص استعمالات حتى كالآتي :
أن تكون ناصبة للمضارع، أو جارة للاسم، أو عاطفة، أو ابتدائية، وبعضهم زاد أن تكون بمعنى “كي”، وذلك إذا وقعت قبل المضارع المستقبل، نحو: “ ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ...” أي كي يردوكم، وترد كذلك بمعنى “إلا” نحو:
ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل
أي إلا أن تجود، وتسمى حتى الاستثنائية.
هكذا اتضحت تلك الفروق في الاستعمالات للحرف حتى الذي أتعب العلماء ومنهم الفراء الذي ورد عنه قوله:” أموت وفي نفسي شيء من حتى”، والذي علل لتسميتها بحتى من كونها حتحتت القلوب، وهناك دكتوراه مجازة في “حتى”، بينت دلالاتها في سياقاتها القرآنية، يمكن الرجوع إليها، وقراءتها، ومعرفة أسرارها، والفوائد التي جمعها الدارس فيها ، وبيان ظلالها، ومعانيها، وضوابطها في القرآن كله، وأهم النتائج التي أسفر عنها بحث ذلك الدارس.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د. جمال عبد العزيز أحمد
جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية
[email protected]