عرض رأس الكفر عتبة بن ربيعة على قومه أن يذهب لمحاورة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويقدم إليه بعض العروض والاغراءات مقابل توقفه عن نشر رسالته ، فأجازوا رأيه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قل يا أبا الوليد، أسمع؛ قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكّناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ـ أو كما قال له.
وظل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستمع بإنصات شديد إلى عتبة ولم يقاطعه أو يتهكم عليه، بل ناداه بأفضل ألقابه وأحسنها إلى قلبه قائلًا: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني؛ قال: أفعل؛ فتلى عليه آيات من بداية سورة فصلت، فكان لها أثر السحر على قلب عتبة، وصُعق لما سمعه من آيات الله المحكمة وعاد إلى قومه بحالٍ غير الحال الذي ذهب به.
فالعبرة التي نستلهمها من هذه القصة: رقي الحوار الذي كان يتمتع به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقدرته العجيبة على الإقناع، واعتماده المنطق وإقامة الحجة لاثبات رأيه، ومخاطبته لمحاوره بأفضل الألقاب، وهو الذي جاء ليعرض عليه التراجع عن نشر دين الله!، ولكم أن تقارنوا ذلك بوضع المسلمين اليوم من شتات وتفرق وتبادل للاتهامات وتكفير المخالفين من أبناء جلدتهم، في حين يبهرنا رسول الله (صلى عليه وسلم ) بهذا الأدب الجم وهو يحاور أحد أعتى أعداء الاسلام وأكثرهم نكرانًا لرسالة الحق، فيخرسه بقوة المنطق والحجة، ويظهر ضعفه أمام قومه الذين اختاروه ليمثلهم أفضل تمثيل.


سعيد بن محمد الرواحي
كاتب عماني