كتب ـ خالد بن خليفة السيابي:
يأتي برنامج حزايا شعبية الذي تعدُّه وتقدِّمه الكاتبة في التاريخ الشفهي ثمنة بنت هوبيس الجندل ضِمْن الدورة البرامجية الرمضانية لإذاعة الشباب بوزارة الإعلام. ويبث البرنامج الذي يخرجه المخرج سلطان المعمري على ثلاث فترات الأولى في الساعة السابعة صباحًا والثانية في الثالثة وخمس دقائق عصرًا والثالثة في الساعة التاسعة وخمسين دقيقة مساءً. تتحدث الكاتبة ثمنة عن فكرة هذا البرنامج وآليَّات الاشتغال عليها.

وهنا تقول ثمنة الجندل: تُعدُّ الحكاية الشعبـية (الحزاية) من أكثر الأجناس الأدبية والفنية الشعبية انتشارًا، فهي جزءٌ من معتقدات الشعوب وثقافاتهم وعاداتهم، ابتدعها المخيال الشعبـي، للتعبير عن حكمته وتجربته في تصوير أحداث الحياة، وأساليب المعيشة، في قالب قصصي مشوِّق وجذاب، يزخر بالقِيَم والعِبر النبيلة والعادات والخصال الحميدة التي يؤمن بها المجتمع. فالحكاية الشعبية لها تأثير ساحر على الكبار والصغار؛ لما فيها من عناصر جذب وتشويق وإثراء للخيال بالإضافة إلى ما تتضمنه من قِيَم إيجابية تسعى إلى بثها في نفوس الأشخاص. فالحزاية أو الحكاية تنقل الكبار إلى عوالم من الترفيه والتسلية والخيال بعيدًا عن الضغوط النفسية والاجتماعية، وتعيدهم إلى طفولتهم وذكرياتهم الجميلة. وبالنسبة إلى الصغار فهي تحلق بهم في أجواء من الخيال الواسع والرؤى والتصورات، التي تصقل الشخصية، وتوسع مداركها، وتكسبها العديد من المهارات والقدرات والمعلومات والمعارف، بعيدًا عن أساليب التلقين والوعظ والتعليم الجاف. الحكاية أو الحزاية هي عالم الطفل الخاص به، يجد فيها معظم احتياجاته التربوية والتعليمية والنفسية والاجتماعية. لا يوجد طفل يرفض الاستماع إلى حكاية، ولا يوجد طفل إلا وأحداث حزاية أو قصة عالقة في ذهنه لفترة طويلة، وأثرها واضح على سلوكه وعلى شخصيته. فحرمان الأطفال من هذا الثراء اللغوي والأخلاقي والترفيهي في الحكاية، فهو حرمانهم من جزء عريق وثمين من ثقافتهم الشعبية ومن تراثهم الأصيل.
وأضافت: فنُّ سرد الحكايات الشعبية فنٌّ معروفٌ في ربوع محافظة ظفار، يكاد لا يخلو منه أي تجمُّع للأسرة والأطفال، بل أحيانًا تنتقل الأُم وأطفالها إلى مكان آخر في حدود المنطقة للذهاب للاستماع والاستمتاع بسرد الحكاية من الحكواتية (المحازية) عادة تكون الجدة أو أي شخصية كبيرة لديها مخزون كبير من الحكايات المتنوِّعة والممتعة. التي تسلب لبَّ وإحساس المستمعين لها طوال فترة السَّرد. وصمتت الجدة الحكواتية التي كانت تروي حكاياتها الرائعة، وتسحر الألباب بأساليب سردها المشوِّق، وتوارت الحزاية عن الأسماع والأنظار. وحُرم الأطفال أو الجيل الجديد من هذه الثقافة الشعبية الجميلة والأصيلة؛ بسبب التطوُّرات الاجتماعية والثقافية والتقنية، حيث حلَّ التلفزيون محلَّ (الجدَّة الحكواتية)، والتهت الأُسرة بما تقدِّمه وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي الحديثة، التي تعتمد على الصورة الملوَّنة المبهرة والمتحرِّكة. فلربما يعتقد هذا الجيل بأنَّه لا توجد قصص أو حكايات محلِّية وشعبية خاصة بثقافتهم الشعبية، مثلما يشاهدون في التلفزيون أو في القصص والكتب المصورة.
وأوضحت: حاولت إحياء دَور المحازية (الحكواتية) والحزاية (الحكاية الشعبية) وأن ألفت الانتباه إليها، بأنَّها موجودة، ولدينا حكايات وقصص لا تقلُّ شهرة عن قصة السندريلا فهي حكاية (فطيمون وعويشون)، وعندنا حزاية (فاطمة النبعة وإخوانها السبعة) وهي شبيهة بالحكاية العالمية الأميرة والاقزام السبعة، وحزاية (سبلة اللؤلؤ) فهي شبيهة بقصة (ريبانزل)، وغيرها من الحكايات الشعبية العُمانية من محافظة ظفار. وفي هذا الإطار، قدَّمت مجموعة من الحزايات الشعبية في الملتقيات الثقافية، وفي المدارس، وفي مهرجان خريف صلالة بمجمَّع السُّلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه، وفي مكتبة دار الكتاب، ونزلت فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، لاقى ذلك استحسان الحضور، ويطالبون بالمزيد من الحكايات. وصار الناس جزاهم الله خيرًا يمدونني ويزودونني ببعض الحكايات الشعبية التي سمعوها من كبار السن. وفي ذات يوم جميل مُشرق حللتُ ضيفة على أحد برامج إذاعة الشباب، وصار تعاون جميل بيننا نتج عنه برنامج (حزايا شعبية) مع ثمنة الجندل. حقيقة أنا فخورة وسعيدة بهذا التعاون المميز مع هذه الإذاعة الفتية والشابة اللامعة. فأنا أتوجَّه لهم بالشكر الجزيل، والامتنان الكبير ولكلِّ المسؤولين والعاملين بإذاعة الشباب، وعلى رأسهم معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام على هذه اللفتة الكريمة والاهتمام البالغ لإتاحة الفرصة لي بأن أطلَّ على جمهور الإذاعة ومستمعيهم الكرام طوال أيام وليالي شهر رمضان المبارك. وهذا يدل على إيمان القائمين على الإذاعة بأهمية الثقافة الشعبية وأهم مفرداتها الحزاية الشعبية الأصيلة التي تسرد بأسلوب قصصي مشوِّق وممتِع، بأنَّها وسيلة مُهمَّة لتحقيق أهداف تربوية تعليمية ونفسية وأخلاقية واجتماعية وجمالية وترفيهية عدَّة، بما تحمله في طياتها من رسائل ودروس وعِبَر وقِيَم إيجابية، تُسهم في جعل الأشخاص مواطنين صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم. بالتنسيق مع إذاعة الشباب أعددت ثلاثين حزاية شعبية، ومعظمها من التراث العُماني الظفاري، وكلُّ حزاية تهدف إلى غرس قيمة أو مبدأ أو رسالة تربوية إنسانية اجتماعية أخلاقية راقية.
وقالت: حاولت أن أجعل هذه الحزايات متنوِّعة ومختلفة لكَيْ لا يتسلل الضجر والمَلل إلى نفس المستمع، فجمعت ما بين الحكاية الخرافية مثل حكاية (اللمسة الذهبية) ونهاية الطمع، وحكايات من التجارب اليومية مثل حزاية (عاقبة الغش) وضياع الثقة وخسارة الأصدقاء، الحكايات التاريخية مثل حكاية (الثلاث النصائح) ربما الاستماع لنصائح وخبرات كبار السِّن، تَقِي الإنسان من الوقوع في المهالك، وقصص الحيوان مثل حزاية (البقرة الذكية) وكيفية تخلصها من الضرر الواقع عليها بحكمة وهدوء والحكايات الهزلية مثل حزاية (با طيح با طيح) التي تكشف بأنَّ للإنسان قدرات كبيرة، يكتشفها إذا اضطرته الظروف و(زقزفة في بطنه)، قد يعيش الإنسان في خوف وقلق دُون مبرِّر، وتضيع عليه الكثير من الفرص والقصص الدينية (الصدقة) وأهميتها في تحسين حياة الإنسان. كما أن الحزايات في برنامج (حزايات شعبية) كانت مزيجًا مختلفًا من حكايات بيئات محافظة ظفار المختلفة، فهناك حكايات من المدينة، وحزايات من الساحل، وأخرى من الجبل والبادية، ولكلِّ بيئة ظروفها ومناخها وحياتها المعيشية المختلفة التي تبرزها الحزاية. وسردت هذه الحكايات بأسلوب حكواتيّ قصصي مُحكم، وباللهجة المحلِّية (الظفارية) البيضاء بحيث تتيح للجميع بأن يفهموا الحكاية، وأن يعيشوا أجواءها وظروفها الحقيقية، كما أن اللهجة المحلِّية لأيِّ لغة التي لها تأثير سحري قوي على السامع، وتلفت انتباهه، وتكون ألفاظها وكلماتها ثرية في المعنى، وتميز الحكاية بالدفء والصدق والخصوصية.
وأوضحت الجندل أن سلطنة عمان تزخر بتراث ثقافي غير مادي عريق، يحوي العديد من المفردات الثقافية المتنوِّعة، إحداها الحكايات الشعبية التي شكَّلها المخيال الشعبي واحتفظت بها الذاكرة المجتمعية، وهي تعكس الشخصية والهُوِيَّة الوطنية العُمانية المتميزة. والحكايات الشعبية الأصيلة تراث تركه الأجداد للأبناء، وهي مصدر فخر واعتزاز لهم؛ لأنَّها تُميِّزهم عن غيرهم. أصبحت المحافظة على هذه الحزايات وتوثيقها وتدوينها وتصنيفها وصيانتها ضرورة ملحَّة، يحميها من الاندثار والتشويه والضياع الذوبان والتلاشي والتنميط. خصوصًا في ظل التحدِّيات الصعبة والتحوُّلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية الضخمة والعولمة.
وأضافت: بعد جمعها وتوثيقها يتمُّ إخراجها من قوالبها الجامدة وتطويرها وتجديدها مع ما يتناسب من تحوُّلات حديثة، لتبرز قيمتها التاريخية والتراثية والجمالية وتلهم بمشاهدها العجائبية والغرائبية والخيالية إبداع الأدباء والكتاب والفنانين للاستفادة من مَعينها الذي لا ينضب. يمكن للأجيال الجديدة أن تتعرف على هذا الإرث الشعبي الفريد من خلال الاستماع إلى الحكواتيين، وإقامة المؤتمرات، والطباعة والنشر، وإقامة الملتقيات والمهرجانات، تجسيدها فنيًّا باستخدام التقنية الحديثة.
وأشارت إلى أن برنامج (حزايا شعبية) يُعدُّ بحدِّ ذاته توثيقًا مُهمًّا، والشكر موصول لكلِّ من أسهم في إنجاح هذا البرنامج، الذي أتمنى أن تمتدَّ له أجزاء في مناسبات أخرى. أعكف حاليًّا على كتابة كتاب عن الحزايات والحكايات الشعبية العُمانية من محافظة ظفار، كانت النية الكتابة باللغة العربية ليتمكن الجميع من قراءته، لكن بعد البرنامج ستكتب الحزاية أو الحكاية باللغة العربية، ثم كتابتها باللهجة المحلية، مع فرصة لترجمتها على الأقل إلى اللغة الإنجليزية، لنتيح الفرصة للآخرين بأن يتعرفوا على تراثنا وعلى ثقافتنا الشعبية المتفردة.