استطاعت الدبلوماسيَّة العُمانيَّة، بما تملكه من قدرات وعلاقات راسخة استمدَّت منها دَوْرَها الحيويَّ، الوصول إلى ردم الهُوَّة والفجْوة في العديد من الملفَّات التي كادت تعصف بما تبقَّى من أمنٍ واستقرارٍ في المنطقة، وحقَّقت اختراقات لملفَّات شديدة الصعوبة والتعقيد، بدءًا من لَمِّ الشَّمل الخليجي، مرورًا بإعادة العلاقات الدبلوماسيَّة بَيْنَ الرياض وطهران، وصولًا للبيان المشترك الذي خرج من الرياض ودمشق، وكانت ثوابت السياسة الخارجيَّة العُمانيَّة، والقراءة المتأنِّية لتفاصيل تلك التباينات منطلقًا مُهمًّا لإحداث الفارق الذي شهدناه في الأوان الأخير، حيث كان الصبر والهدوء العُمانيُّ بوَّابة الحلِّ، والأرض الصلبة التي احتوت التباين أو الخلاف، وبذلت ـ ولا تزال ـ كُلَّ جهد مُمكن ومُخلصٍ لإنهائه بشكلٍ يشهد به القاصي والدَّاني في المحيطَيْنِ الإقليميِّ والعالميِّ.
وتدرك سلطنة عُمان أنَّه رغم ما أحدثته جهودها الدبلوماسيَّة من خطوات جيِّدة، فإنَّ الوصول لتحقيق غاية الأمن والاستقرار، وانطلاق دوَل المنطقة الكبرى نَحْوَ تعاون تنمويٍّ يُلبِّي طموحات وتطلُّعات الشعوب يحتاج مزيدًا من الوقت والجهد، وأنَّ هناك تفاصيل عالقة تحتاج إلى وقت وصبر ومضاعفة الجهد لإعادة بناء جسور الثقة، التي تُعدُّ المفتاح السحريَّ للوصول لِما نصبو إليه جميعًا ـ شعوبًا وحكومات ـ من تعاون شامل وبنَّاء يُسهم في تحقيق المأمول والمرجوِّ. لذا تُواصِل مسقط جهودها المُخلصة لحلِّ باقي القضايا العالقة، التي تنطلق منها الهواجس والمخاوف من حدوث انتكاسة ترجعنا إلى المربَّع الأوَّل، وتفتح الباب أمام الكيانات التي تسعى إلى نثْر بذور التفرقة بَيْنَ دوَل المنطقة وشعوبها.
وتأتي المفاوضات حَوْلَ نووي طهران على رأس تلك القضايا العالقة، ليس في المحيط الإقليميِّ فحسب، بَلْ تمتدُّ إلى توتُّرات المُجتمع الدوليِّ، لذلك حرصت السَّلطنة على مواصلة الجهود نَحْوَ الوصول إلى اتفاق يزيل المخاوف إقليميًّا، ويقفل الباب لِمَن يسعون لإشعال الأمور على مستوى المنطقة والعالم. وما يبرز الدَّور الكبير للدبلوماسيَّة العُمانيَّة تصريحات معالي الدكتور حسين أمير عبداللهيان، وزير الخارجيَّة في الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة والتي أعرب خلالها عن شكره لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ والحكومة العُمانيَّة على الدَّور الإيجابيِّ لرفع العقوبات عن الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، واصفًا الدَّور العُمانيَّ في هذا الشَّأن «بالبنَّاء والمثمر»، مؤكدًا أنَّ سلطنة عُمان لدَيْها مبادرات جدِّية فيما يخصُّ الملف النَّووي الإيرانيَّ ستُسهم في عودة المفاوضات في هذا الشأن.
إنَّ تلك الجهود العُمانيَّة المستمرَّة، التي تسعى إلى رأب الصَّدع، في الملفَّات الحسَّاسة، مِثل الملف النَّووي الإيرانيِّ، وإيجاد صيغة لحلِّ الصراع في كُلٍّ من اليمن الشقيق الذي شهد زيارة وفد عُمانيٍّ سعوديٍّ لقيَ ترحيبًا دوليًّا رأى أنَّ تلك الزيارة وما شملتها من محادثات تُمثِّل خطوات قيِّمة باتِّجاه التوصُّل إلى وقفٍ شامل لإطلاق النار، وإجراء محادثات سياسيَّة يمنيَّة ـ يمنيَّة جامعة، وكذلك السَّعي العُمانيُّ لإيجاد حلولٍ واختراقات في الملف السوريِّ، والذي تجلَّى في الاتِّصال الهاتفيِّ الذي تمَّ بَيْنَ وزيرَيْ خارجيَّة البلدَيْنِ، والذي استعرض ـ بجانب العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ البلدَيْنِ الشقيقَيْنِ وسُبل تعزيزها ـ التشاور حَوْلَ عددٍ من القضايا والتطوُّرات الإقليميَّة والدوليَّة، والتي تُعدُّ بوَّابة حقيقيَّة لتحقيق الأمن والاستقرار ليس في سوريا فحسب، وإنَّما في كافَّة رُبوع المنطقة والعالم.