[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تساؤل العنوان يختزل القضية المثيرة للجدل حول روايات معروضة حاليا في معرض مسقط الدولي للكتاب، وهذا التساؤل موجه للنخب العمانية المثقفة وللجهات المسئولة عن الثقافة والكتابة في بلادنا، وفي مقابل ذلك التساؤل ينبغي أن نطرح التساؤل التالي، وهو، هل حرية الكتابة والتعبير في الغرب مطلقة اي دون ضوابط؟ والتساؤلان ينبغي أن يتقابلا حتى نطرح القضية من هذين المنظورين لإقامة الحجة على البعض الذين يصرحون بالحرية المطلقة في الغرب، وأنه على بلادنا أن تحذو حذوهم إن ارادت لمجتمعاتها التقدم والرقي والنهضة، وذالكم اعتقادهم المقدس، وبعضهم قد أقدم مؤخرا على نشر كتابات ناشزة عن الذوق الوطني وقيم المجتمع، هذا أقل ما يمكن وصفه الان، فكيف تسمح مؤسسات دستورية برعاية مثل هذه الكتابات والمساعدة على نشرها؟ هل تنظر نفسها بانها محايدة في قضايا الفكر والكتابة عنه؟
التساؤلان الاخيران، يطرحان القضية من منظور مسئولية المؤسسات الدستورية التي تعنى بالثقافة والكتابة فيما ينجم عن الفكر الاخر من منتوجات ادبية وصحفية تمس جوهر الذوق الوطني وقيم المجتمع، علما بان حجية الحرية المطلقة في الغرب تثار كلما وقع احتجاج من داخل المجتمع وقواه الحية ضد مثل تلك الروايات خاصة عندما تتحدث عن الجنس الطبيعي والشاذ، وهنا ينبغي دحض هذه الحجج ومن منطلق عقلاني، فأنصار هذه الحجية يتهمون كل فكر يعتبر مثل هذه الكتابات بانها تنتهك الاخلاق والقيم الاسلامية، يتهمونه بانه لديه خلل خطير في بنية تفكيره، وان ذلك بمثابة إحراق لمساحات الحرية في بلادنا، بل أنها العكس، بمعني كيف لا يكون الحديث عن الشواذ الجنسي مثلا تدميرا للبناء الاخلاقي للمجتمع؟ وإطلاق الاسلحة النووية للتعايش المذهبي والمجتمعي في بلادنا إذا تركنا للحرية الفردية دون ضوابط في حدود معينة، فالأصل عالميا ،، الحرية ،، والاستثناء ،، التقييد ،، والتقييد تمليه مصالح عليا للدولة ليست سياسية بالضرورة وإنما اجتماعية ودينية، من أجل الحفاظ على السلام الديني، والسلام المجتمعي ... كما سنستخرج ذلك لاحقا من تجارب اوروبية معاصرة، وقد نجد في تلك المحاولات ومن يدافع عنها تحت مسميات رنانة ومطبلة بإيقاعات ليبيرالية راقصة أنها تهدف الى تطبيق المفهوم الليبيرالي للحرية في بلادنا بعد فشل تطبيقه كاملا في بيئته المولدة له ؟ كما سنلاحظ كذلك ـ وكيف لا يكون المساس بالذوق الوطني وقيم المجتمع هو مبادرة مبرمجة لحرق مساحات الحرية الجديدة في بلادنا عبر المساس بالسلام العام؟ فمن يسمح لتفكيره بإنتاج فكر مضاد لفكر المجتمع وقيمه من منطلق حقه في الحرية، فهو يعلم علم اليقين أن السلطة الاجتماعية سوف تثور ضده على الفور، وضد اية سلطة حكومية تقف عاجزة عن حماية ذوقه وقيمه، لأنه بعبارة صريحة وكاملة ليست هناك حرية مطلقة، لا محليا ولا كونيا، والشواهد كثيرة، فسوف نستدعي من الغرب الاوروبي قضايا عديدة تدخلت فيها السلطتين السياسية والقضائية تقييدا للحرية حفاظا على سلامها الديني وسلمها المجتمعي، نذكر مثلا القانون البريطاني الذي يمنع إهانة المقدسات، وبموجبه تم منع عرض فيلم الحياة الجنسية للمسيح للمخرج الدانماركي جينز تورسن، الذي ما إن تم الإعلان عنه حتى قامت ردة فعل غاضبة من المؤسسات الدينية الأوروبية، وصدر تحذير مباشر ضد الفيلم من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جيمس كالاهان، وفي النهاية تراجع المخرج، ولم ير فيلمه النور إلى اليوم. وفي فرنسا صدر قانون فابيوس- جيسو الذي يحظر مجرد مناقشة حقيقة وقوع الهولوكست خلال الحرب العالمية الثانية، وبمقتضاه تمت محاكمة المفكر روجيه كارودي سنة 1998بسبب كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، وقضائيا، أعلنت المحكمة الأوربية في قضية (أوتو بريمنجر) المتعلقة بفيلم يستهزئ بالمسيح والعشاء الأخير، الموافقة على إجراء السلطات في النمسا مصادرته لتحقيق السلام الديني والحيلولة دون شعور بعض الأفراد بالتعدي على معتقداتهم الدينية بصورة غير مبررة ومهينة، وعليه فليس ثمة انتهاك لحرية التعبير، وقضائيا كذلك رفضت السلطات البريطانية السماح بتوزيع أشرطة فيديو لفيلم (رؤى النشوة) الذي يصور المسيح عليه السلام على الصليب في صورة جنسية؛ بحجة أنه يؤدي إلى غضب المتعاطفين مع المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وبموازاة مع هذه التقييدات الاوروبية للحرية ، أنشات منظمات في اوروبا للدفاع عن الاخلاق والقيم مثل منظمة الغالبية الأخلاقية، والاتحاد الفيدرالي للخلق القويم، ومنظمة الدقة في البحث الأكاديمي التي تحارب الأفكار اليسارية لدى أساتذة الجامعات الأميركية.
نخلص مما سبق إلى أن حرية الكتابة والتعبير مثلها مثل حقوق الإنسان الأخرى - لا يمكن أن تكون مطلقة بلا ضوابط وبلا مسئولية، لأن الحرية المطلقة لكل أنواع التعبير تعني حرية مطلقة للكتابات العدوانية، والألفاظ الجارحة والمخدشة للمشاعر والعواطف في حق الأشخاص والجماعات والقيم المشتركة، ونتيجة ذلك هو انتشار الفوضى داخل المجتمع، إذن، من يقع عليه مسئولية حمل الكل على الالتزام بالحرية المنضبطة المسئولة؟ طبعا لابد أن يكون هناك قانون يعلي من شأن الحرية ويعتبرها الاصل، ويضع القيود اللازمة لها، وهى الاستثناء، والاستثناء يحمي مسار الحرية البنائي ويمنع من تحويلها الى معول هدم وفوضى مجتمعية .. وطبعا لابد أن تكون جهات حكومية دستورية تنفذ القانون أي تمنع نشر الفوضى حفاظا على الوحدة النفسية والايديولوجية والقيمية للدولة.. وكل من يشعر بان هذه السلطة قد بالغت في حماية القيم .. عبر منع نشر كتبه، فعليه الاحتكام للقضاء للفصل القانوني، إذن، أين مسئولية المؤسسات الحكومية الدستورية التي تعنى بقضايا الثقافة والفكر والتعبير والكتابة عنها في القضية المثيرة للغضب المجتمعي؟ كيف تسمح بنشر الروايات داخل معرضها وهى حارسة أمينة لقيم المجتمع؟ هى ليست محايدة ولا يجب عليها الحياد، عليها التزام وطني ودستوري وقانوي بان تمنع عرض أي كتاب أو يا مادية جماهيرية تمس الذوق الوطني وقيم المجتمع و(...) وعلى المتضررين من هذا المنع اللجوء للقضاء للبت في القضية عبر القضاء المستعجل، وإذا لم تقم بدور حماية المجتمع، فما جدوى بقائها، وعلى الدولة السماح بإقامة مؤسسات مجتمع مدني للدفاع عن منظومة القيم والذوق الوطني، لأن المجتمع لن يقبل أي تقدم ولن يريد اي رقي واي نهضة (مزعومات) تكون نتاج الحرية المطلقة التي تستبيح المحظورات المجتمعية، عندئذ سيكون المشهد وقوع الازمات اولا ومن ثم اللجوء الى القضاء على عكس النموذج الاول، حيث يكون هناك مؤسسات تمنع وقوع الازمات داخل المجتمع وعلى كل متضرر الاحتكام للقضاء، فإيهما نريده لبلادنا إذا كانت المؤسسات الحكومية لن تمنع اساءة قبل وقوعها الا عن طريق القضاء فقط ؟ وقياسا على ذلك، هل ستسمح هذه المؤسسات باستباحة المحظورات السياسية بحجة الحرية وضرورات فصل السياسة عنها، ولن تتدخل الا بعد صدور الاحكام القضائية ؟ المشهدان واضحان، وتداعياتهما واضحة وضوح الشمس، فإيهما نريدها لبلادنا الحرية المطلقة أم الحرية المسئولة ؟