زرت السودان في العام 1993 ضِمْن وفد شَعبي عربي جال على عدَّة أقطار عربية لحشد التأييد للعراق في مواجهته للحصار الظالم الذي كان مفروضًا عليه، وضمَّ الوفد شخصيات سياسية عربية معروفة التقت بقادة السودان ومصر واليمن في محاولة لكسر حاجز الحصار والانفتاح على العراق في مواجهة تداعياته الخطيرة على العراقيين.
وكانت محطَّة السودان مهمَّة؛ لأنها كشفت استجابة القيادة فيها لكسر الحصار العربي ونصرة شَعب العراق، ما أثار إعجاب وتقدير الوفد الذي التقى في حينها الرئيس السوداني عمر أحمد البشير. كما جال الوفد على أبرز قادة القوى السياسية في السودان لذات الهدف.
ورغم قِصر الزيارة للسودان فإنَّني خرجت بحصيلة كشفت أصالة شَعب السودان، ونزوعه للتغيير السلمي وتآخيه، واندماجه مع مُكوِّناته التي كانت تسعى لتجسيد وحدة الشَّعب إزاء التحدِّيات التي كانت تواجهه، سواء كانت داخلية أو مع دول الجوار بعيدًا عن الاحتراب وصولًا لتصفير أزماته مع الآخرين.
ويُسجَّل للسودان أنَّه أوَّل قُطر عربي كسر الحصار عن العراق بزيارة رئيسه البشير، في مبادرة تُسجَّل له حيث أجريت معه حوارًا نُشر في وسائل الإعلام العراقية أكد فيه ثبات موقف السودان لنصرة العراق، وردًّا على مواقف العراق الداعمة لوحدة السودان ودعمه في مواجهة أزماته الاقتصادية.
وعندما نتوقف عند ما جرى ويجري في السودان الشقيق من صراع خطير بين أبرز رموزه كانت البندقية هي سلاح الحوار بعيدًا عن لغة الحوار السلمي الذي يبعد السودان عن مخاطر التشظِّي والحرب الأهلية التي كانت تحذر منه القوى الحريصة على أمنه وسيادته ووحدته. فالسودان اليوم عند مفترق طُرق، ما يتطلب من دول الجوار والمجتمع الدولي أن تمدَّ يد المساعدة لهذا البلد لوقف نزيف الدم، والعودة إلى خيار الحوار السلمي بعيدًا عن السلاح والتخوين؛ لأنَّ شَعب السودان بمُكوِّناته سئم حلَّ الخلافات بالبندقية؛ لأنَّ هذا الخيار يكلفه مستقبله واستقراره.
ومهما كانت المبررات لخيار اللجوء إلى العمل العسكري فإنَّ الخاسر الأكبر هو السودان ـ شَعبًا ودولة وكيانًا ومستقبلًا ـ فهذه الحرب بين الفريقين تنذر بمخاطر كبيرة ليست على السودان فقط، وإنَّما على جيرانه والمنطقة عمومًا.
وطبقًا لدواعي المسؤولية القومية إزاء مخاطر ما يجري في السودان فإنَّ الواجب القومي يتطلب مبادرة عربية وحتى أُممية لوقف نزيف الدم واللجوء إلى الحوار لتجنُّب الدخول بالمجهول الذي ستدخل الجميع في متاهاته الخطيرة.
ورغم أجواء القلق والترقب لمقبلات الصراع بين رفاق السلاح فإنَّنا نتوقف عند محطَّات مضيئة في تاريخ السودان ودَوْره في مَسيرة العمل العربي التي انطلقت من أرضه اللاءات الثلاث في مواجهة مخاطر المشروع الصهيوني. كما شهد التاريخ السياسي حالة نادرة، حينما قام رئيس المجلس العسكري المؤقت، المشير عبد الرحمن سوار الذهب بالتنازل عن السُّلطة طوعًا وفاءً بوعده بأنَّه سيتخلَّى عنها خلال عام واحد لحكومة منتخبة، فقام بتسليمها إلى حكومة الصادق المهدي عام 1986م.
هذه المحطَّات المضيئة في تاريخ السودان تعطي الأمل بخروجه من هذا النفق الذي يحاول البعض بقاءه يتخبط به، غير أنَّ الحريصين على مستقبله يستلهمون من تلك المثابات المضيئة دروسها لإخراج بلدهم من هذا المأزق قويًّا معافى ومستقرًّا.



أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]