منذ أوَّل قمَّة عربيَّة عقدت في مصر عام 1964 والقادة العرب يحاولون بلورة موقف عربي جادٍّ لمواجهة التحدِّيات التي تحدق بالأمن القومي العربي، وإرساء قاعدة التضامن العربي عَبر آليَّة تُعزِّز مَسيرة العمل العربي المشترك بين أقطارها.
وما بين القمَّة العربيَّة عام 1964 والقمَّة العربيَّة الـ32 التي ستعقد في السعودية الأسبوع المقبل، حصيلة لتراكمات الأزمات التي واجهت أقطارها تتطلب موقفًا جادًّا جماعيًّا لخطورة هذه الأزمات التي باتت تخيِّم على القمم العربيَّة من انطلاقها وحتى الآن.
ويتصدر الملف السوري وملفات ليبيا واليمن والسودان وفلسطين وتطبيع بعض الدول العربيَّة علاقاتها مع «إسرائيل»، وملفات أخرى تخيِّم على اعمال القمَّة المقبلة. والملف السوري أخذ حيزًا كبيرًا من اهتمام الدوَل العربيَّة التي عقدت من أجْله عدَّة اجتماعات سبقت القمَّة المرتقبة لبلورة موقف عربي جماعي من تداعياته للمساهمة في جهود التوصُّل إلى حلٍّ سياسي للأزمة السوريَّة، ومعالجة كُلِّ تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سوريَّة وسيادتها، ويحقق طموحات شَعبها، ويُعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميًّا ودوليًّا.
وما يعقِّد توصُّل القمَّة العربيَّة إلى تفاهمات وآليَّات محدَّدة لفكِّ شفرات الأزمة السوريَّة غياب الموقف الجماعي من تداعياتها؛ بسبب تدخل أطراف إقليمية ودولية، وهو الأمْرُ الذي ما زال يعرقل الجهود لحلِّ هذه الأزمة التي حالت تلك الأسباب دونها.
إنَّ قمَّة السعودية تُعقد في ظلِّ ظروف عربيَّة وإقليمية ودولية خطيرة تداخلت في مسارها عوامل النفوذ والمصالح والأدوار، الأمْرُ الذي يتطلب مواجهة محرِّكاتها واتجاهاتها التي باتت تخيِّم على مسار قمَّة السعودية، وأيضًا على جميع القمم العربيَّة، ما تسبَّب في تعطيل مَسيرة العمل العربي، والتوافق على أولويَّات أهدافه بعيدًا عن الإملاءات الخارجية ومصالحها التي تتقاطع مع موجبات الأمن القومي العربي.
ومهما كانت نتائج قمَّة السعودية، فإنَّ المطلوب من القادة العرب التوافق على موقف جماعي يرتقي إلى مستوى التحدِّيات والتهديدات التي تواجه بلدانهم بشكلٍ منفرد أو جماعي.
وعلى الرغم من مصاعب التوافق الجماعي العربي في التعامل مع الأزمات والتهديدات والتحدِّيات التي تواجه أقطارهم، فإنَّ غياب هذا التوافق سيفتح شهية القوى الخارجية وأطماعها، ويساعد في ترسيخ بقاء مصالحها التي تتقاطع مع المصلحة العربيَّة العليا.
إذًا قمَّة السعودية ليست ككُلِّ القمم العربيَّة رغم أهمِّيتها، إلَّا أنَّ القمَّة الـ32 قمَّة استثنائية وتاريخية بسبب حجم الملفات والأزمات التي باتت تتطلب موقفًا جماعيًّا لوقف محرِّكاتها وإبطال دوَرانها؛ بسبب مخاطرها ودَوْرها في تعطيل أيِّ جهد عربي جادٍّ لمواجهته بإرادة تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الأُمَّة وأقطارها.
واستنادًا إلى دواعي المسؤولية القومية، واستشعارًا للمخاطر التي باتت تحدق بالأمن القومي العربي وموجباتها على الأرض، أصبح يتطلب من القمَّة العربيَّة المرتقبة تخطِّي حاجز التردُّد والمنطقة الرمادية بموقف يُعيد لمَسيرة العمل العربي دَوْرها وأهمِّيتها لحفظ مصالح الأُمَّة ويُبعد شرور الطامعين بأرضها وثرواتها ومستقبلها. فهذه الاشتراطات التي باتت من أولويَّات القمَّة العربيَّة؛ لأنَّها هي مَن تحمي الحقوق وتُغلق أبواب التدخلات الخارجية وتمنع شرورها لتبقى سدًّا منيعًا يتمترس عنده كُلُّ الحريصين على مستقبل الأُمَّة ومصالحها القومية.



أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]