- هناك تطور ملحوظ فـي ثقافة المجتمع العماني وثقته فـي تلقي خدمة الإرشاد النفسي

- اللائحة ستعالج مسألة السرية ولا تضيّق الخناق على الممارسين الجدد


استطلاع ـ عيسى بن سلام اليعقوبي:

أكد عدد من المسؤولين والمختصِّين في قِطاع الإرشاد النفسي والأسري لـ(الوطن) أنَّ اللائحة التنظيمية لمزاولـة مهنة الإرشاد النفسـي والاستشارات الأُسرية الصادرة مؤخرًا من وزارة التنمية الاجتماعية تهدف إلى ضمان حياة كريمة لكافَّة أفراد المجتمع في سلطنة عمان، وستُسهم في تجويد العمل النفسي والاجتماعي وستعالج التحدِّيات التي تواجه هذا القِطاع، وأوضح المختصُّون أنَّ اللائحة منظمة ورشيقة وستقتصر على المهنيين المحترفين والمؤهلين تأهيلًا كافيًا لتقديم الاستشارات المناسبة.

تماشيًا مع رؤية عمان 2040
بداية قال الدكتور جلال بن يوسف بن جمعة المخيني مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأُسرية بوزارة التنمية الاجتماعية: اللائحة التنظيمية جاءت تماشيًا مع رؤية عمان 2040 واستراتيجية العمل الاجتماعي التي تهدف إلى تعزيز وضمان حياة كريمة لكافَّة أفراد المجتمع في سلطنة عمان، وكذلك انطلاقًا من دورها كجهة منظمة لمجال العمل الاجتماعي وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها، فإنَّنا نراقب باستمرار قِطاع المهن الاجتماعية ونحرص على ضمان تقديم خدمات ذات جودة عالية وفقًا للأُطر العلمية والمعايير العالمية من خلال مهنيين أكفاء، مؤهلين ومرخَّصين، حيث جاءت اللائحة التنظيمية لمزاولة مهنة الإرشاد النفسي والاستشارات الأُسرية لتُسهم في عملية ترخيص المهنيين التي تقام وفقًا لمعايير الجودة العالمية بما يخصُّ التعليم والخبرات اللازمة، وذلك لحماية مجتمعنا من الممارسات الخاطئة وتعزيز الممارسة الأخلاقية من خلال مهنيين أكفاء. وأضاف المخيني: تكمن أهمِّية اللائحة في عملية التنظيم لمهنة الإرشاد النفسي ومهنة الاستشارات الأُسرية ووضع الاشتراطات والمعايير اللازمة وذلك وفقًا لخطوات علمية وعملية، إضافة إلى دراسة اللوائح المناظرة في الدول المتقدِّمة والمجاورة لمعايرة البنود والمضامين. ومنذ عدَّة سنوات بدأ العمل على تحديث اللائحة الفائتة وسد فجواتها، وتطوير بنودها بما بتلاءم مع متطلبات المهنة، ومرَّت اللائحة قبل صدورها بالعديد من المراحل العملية والإجرائية، كما أنَّها حكمت من قبل أكثر من 20 أكاديميًّا متخصصًا في مجالات المهن الاجتماعية، إضافة إلى عرضها على أكثر من 12 مؤسسة حكومية وإسقاط كافَّة الملاحظات التطويرية، ومناقشة كافَّة البنود والضوابط سواء الفنية والإدارية أو المالية مع الجهات ذات العلاقة، وصولًا إلى الصياغة القانونية وإصدار اللائحة.

منظمة ورشيقة
وأكد المخيني أنَّ اللائحة الحالية منظمة ورشيقة، وقد تسلسلت في موادها ابتداء من اشتراطات الترخيص، وصولًا إلى الجزاءات في (6) فصول مُكوَّنة من (32) مادَّة، وقد اشترطت في موادها المؤهل الدراسي المناسب، الخبرة العملية واجتياز اختبار والمقابلة الفنية لنيل الترخيص وأيضًا هنالك متابعات مستمرة لهذه المراكز من قبل دائرة الإرشاد والاستشارات الأُسرية لضمان العمل بهذه المواد وفق اللائحة المنظمة. وأشار إلى أنَّ هناك تطورًا ملحوظًا على مستوى ثقافة المجتمع العُماني وثقته في تلقِّي خدمة الإرشاد النفسي والاستشارات الأُسرية، لا سيما في السنوات الأخيرة وبالتحديد خلال وبعد مرحلة جائحة كورونا وما نتج عنها من آثار نفسية واجتماعية كبيرة للمجتمعات، ومع اعتماد ضوابط خلال اللائحة الحديثة بالتأكيد ستُسهم في رفع مستوى الوعي والثقافة لدى الجميع لتلقِّي خدمة الإرشاد النفسي والاستشارات الأُسرية وهي خدمات يحتاجها الأشخاص العاديون كما تحتاجها الفئات الخاصَّة.

تجويد العمل النفسي
وقال الدكتور سعيد بن خميس بن سعيد المقبالي ـ دكتوراه علم نفس ـ إرشاد نفسي وأخصائي نفسي بمدرسة أسيد بن حضير: نثمِّن قرار معالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية لتجويد العمل النفسي والاجتماعي الذي صدر مؤخرًا في مزاولة مهنة الإرشاد النفسي والاستشارات الأُسرية، ومثل هذه القرارات لم تأتِ من فراغ بل جاءت نتيجة دراسات وتفحُّص من قِبل المختصِّين، كما كان أيضًا للمجتمع دَور في هذا الموضوع وبصفتي أخصائيًّا نفسيًّا في وزارة التربية والتعليم فأنا مؤيد لهذا القرار الذي أصدرته وزارة التنمية الاجتماعية على اعتبار أنَّه يحفظ حقوق شرائح المجتمع المختلفة ويجوِّد العمل النفسي والاستشارات النفسية، فهو من القرارات المهمة التي يجب اتخاذها عند تقديم طلب من أيِ مختص في إنشاء مركز إرشادي يقوم بدراسة الحالات النفسية والاجتماعية؛ لأنَّه يكون وفق الأُسس العلمية والعملية التي يجب التعامل معها عند دراسة الحالات وهنا تظهر الأمور بشكلٍ منظَّم ومقنَّن ويكون المواطن في طمأنينة عند ذهابه لمثل هذه المراكز الإرشادية. وأوضح المقبالي أنَّ الشروط والقوانين التي جاءت في القرار الوزاري كانت محدَّدة وواضحة ولا يستطيع أيُّ شخص التقدُّم بطلب الموافقة على مركز إرشادي إلَّا إذا كان مستوفيًا لجميع الشروط والأُسس العلمية والعملية، وهذا بِدَوره يضمن للمسترشد تشخيص حالته النفسية دون حدوث أيِّ أخطاء في المشكلة التي يعاني منها المسترشد بعكس ما كان عليه سابقًا في المراكز التي تقدِّم هذه الخدمة والتي تجدها غير مؤهلة لمثل هذه المهن.

أهمية الإرشاد النفسي
مشيرًا إلى أنَّ الضوابط سوف تعالج تحدِّيات الإرشاد النفسي بحيث يستطيع الأخصائي العُماني مزاولتها في جميع محافظات وولايات سلطنة عمان وسوف يستطيع التوسُّع فيها بشكل أكبر، وخصوصًا عندما تشيع أهمِّية الإرشاد النفسي للإنسان وتحدَّد اختصاصاته في المراكز المصرَّح لها من قِبل وزارة التنمية الاجتماعية، وهنا يسهل التواصل بين المختصِّين العُمانيين في القضايا التي تصلهم إلى المركز، حيث يصبح التعاون وتبادل الخبرات بينهم من أساسيات المراكز المصرَّح لها، ناهيك عن توافر الأجهزة التي تساعد بعض الحالات في التخلص مما ينتابهم من مشاكل نفسية أو أُسرية. أضاف المقبالي: تُعدُّ ثقافة المجتمع المحلِّي في مهنة الإرشاد النفسي قليلة جدًّا وذلك بسبب قلَّة المختصِّين في هذا الجانب، حيث اقتصر وجوده منذ الثمانينيات كاختصاص في المستشفيات العُمانية (مستشفى ابن سينا مسقط) بينما بدأ ظهور تخصص الأخصائي النفسي العُماني وانتشاره بين فئات المجتمع في كلٍّ من وزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية مع بداية الألفية. ولكن رغم ذلك يبقى هذا الانتشار منقوصًا، خصوصًا لدى كبار السِّن، حيث إنَّهم لا يهتمون به بالدرجة المطلوبة وإنَّما يعتمدون على الشعوذة وغيرها. في حين أنَّ الجيل الحالي تغيَّر وبدأ يأخذ بالأمور الإرشادية والتواصل مع الأخصائيين في المدارس، حيث كان للجنة حماية الطفل دَور كبير في نشر ثقافة الإرشاد النفسي والاستشارات الأُسرية في ظلِّ المشاكل التي ظهرت مؤخرًا في مختلف المناطق والمحافظات العُمانية، ومع هذه الضوابط التي رافقت القرار الوزاري سوف تزيد أهمِّية الإرشاد النفسي والتردد عليه من قِبل فئات وشرائح المجتمع العُماني من خلال التوسُّع في نشر الوعي النفسي والاهتمام به عن طريق المحاضرات والإعلانات التي تبثُّها المراكز المصرَّح لها بمزاولة هذه المهنة. وختامًا شكري وتقديري لمعالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية على اهتمامها الجادِّ والصادق بهذا التخصُّص الحيوي والمُهِم الذي تحتاجه جميع فئات وشرائح ومؤسسات المجتمع العُماني والذي يساعد الناس على التخلص من المشاكل التي تنتابهم في الحياة اليومية في ظلِّ التقدُّم التكنولوجي والتقني الذي سيطر على المجتمعات، وسبَّب لهم الكثير من المشاكل والاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والتوتر والخوف والصدمات نسأل الله السلامة للجميع.

خطوة جيدة
من جانبها قالت الدكتورة رضية بنت سليمان الحبسية أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى: من وجهة نظري أيِّ عمل لا بُدَّ له ومن تأطير، وبدون وجود ضوابط فإنَّه يصبح مدعاة للممارسات العشوائية، بما يقود إلى مزالق قد تجرُّ المستخدمين والمستفيدين إلى قضايا ومشكلات قد يصعب التعامل معها لاحقًا، فكيف يكون الحال إذا كان هذا العمل يكون بالتعامل مع البشر؛ لِما له من خصوصية تتمثل في إنسانيته، التي تتطلب احترامها، والحفاظ على تلك الخصوصية، بما يحفظ لها كرامتها، وما يرتبط بالإنسان من سِمات شخصية وأسرار يفضل الاحتفاظ بها لنفسه، دون إطلاع أقرب الناس إليه عليها.
ويُمثِّل القرار الوزاري رقم 294/‏‏‏2023 خطوة جيِّدة في الحدِّ من الممارسات العشوائية في مجال تقديم الاستشارات النفسية والأُسرية، حيث من الملاحظ تزايد امتهان هذا المجال، والغلو في تقديم الكثير من البرامج والإرشادات الدخيلة على المجتمع العُماني، والتي قد تؤثر على نسيج وتماسك هذا المجتمع، إن لم يتم إيقاف تلك العشوائية في ممارسة هذه الخدمة، ووضع ضوابط تقنِّن مزاولتها.
وأوضحت الحبسية أهمِّية الضوابط الجديدة للمهنة وقالت: قد يظن البعض أنَّ هذه الضوابط ستقيِّد وتضيِّق الخناق على الممارسين، خصوصًا المبتدئين منهم، لكن حين نقارنها بالنتائج السلبية التي يمكن أن تضرَّ بفئات مختلفة من أفراد المجتمع ـ فئة الأطفال والمراهقين خاصة ـ ما لم يتم وضع تلك الضوابط، سنقرُّ حتمًا بضرورة تقنين مزاولة هذه المهنة، خصوصًا وأنَّ مزاولتها لا تقتصر على الكوادر الوطنية فحسب، إنَّما هناك من الممارسين المستثمرين في هذا القِطاع قد يكونوا مؤهلين، وقد لا يكون تأهيلهم بدرجة تخصصية ومهنية. ناهيك عن أنَّ مهنة الإرشاد النفسي والأُسري، لا ترتبط فقط بالإعداد الأكاديمي فحسب، إنَّما هناك دورات تدريبية متقدمة وبرامج تأهيلية متعمقة تمكِّن الممارسين من تقديم تلك الاستشارات بكفاءة واقتدار بما لا يلحق الضرر بالمسترشدين.
وأضافت: ستعمل هذه الضوابط على حصر مزاولة مهنة الإرشاد النفسي والأُسري على المختصِّين المؤهلين والمدربين على تقديم تلك الاستشارات، مع الالتزام بأخلاقيات العمل الإرشادي، مع العلم أنَّ هناك من المرشدين من اقتحم تقديم الاستشارات النفسية والأُسرية إلى مجالات تخصصية طبية، فبات التدخل في حالات تشخيص طبي، ووصف عقاقير طبية لبعض الحالات دون استشارات طبية تخصصية من ذوي الاختصاص، والتي كان الأجدر تحويلها للمستشفيات والمراكز الصحية المختصَّة.

تنامي الوعي
وقالت الحبسية إنَّ هناك تناميًا في الوعي وإدراكًا لأهمِّية اللجوء للمرشدين للحصول على الاستشارات النفسية أو الأُسرية، فالمرشد بالنسبة للمسترشد في كثير من الحالات يُمثِّل طوق النجاة من الانزلاق إلى سلوكيات وعادات تضاعف من حالة المسترشد سوءًا، بل قد تصل به إلى حافة الجنون أو التفكك الأُسري، خصوصًا في ظلِّ غياب الواعز الديني لدى كثير من الأفراد. وأرى أنَّ وجود ضوابط سيعزِّز من مهنة الإرشاد النفسي والاجتماعي والأُسري، وسيتمُّ حصر ممارستها على المهنيين المحترفين، والمؤهلين تأهيلًا كافيًا لتقديم الاستشارات المناسبة وفقًا للحالات التي ترد إلى مقدِّم الخدمة، فالقضية ليست هواية وموهبة، استماع وحوار، أو حفظ عدد من النظريات، أو جملة من التمارين، فيباشر المرشد في تطبيقها، فيغدو المسترشد حقل تجارب، قد تصيب محاولات المرشد وقد تخطئ، وبالتالي تجرُّ ويلات ومساوئ قد تزيد من حالات الاكتئاب بين فئات الشباب والمراهقين قد تصل إلى الانتحار أو التعدِّي على أرواح بريئة قد تصل إلى القتل، وأيضًا تزايد حالات الطلاق في المجتمع؛ نتيجة تقديم نصائج وإرشادات عشوائية دون الاستناد إلى خلفية مهنية قوية. وفي ذات الصدد قال أحمد بن عبدالله الشبيبي رئيس ومؤسس مركز زلفى للاستشارات الأُسرية: يأتي إصدار اللائحة التنظيمية ذات أهمِّية في تنظيم أعمال الاستشارات الأُسرية والإرشاد النفسي المتعلقة في جانب الاختصاصين العاملين وأيضًا تحافظ على تقديم خدمة ذات جودة عالية للمسترشدين وجاءت لتتواكب مع الرؤية المستقبلية وفق التشريعات الصادرة لتمكنها من أدوارها ومهامها المنوطة بها بشكل صحيح.

الكفاءة المعرفية
وأشار إلى أنَّ مزاولة مهنة الاستشارات الأُسرية والإرشاد النفسي تُعدُّ من أهم المهن؛ لأنَّها تختصُّ بالمكانة الإنسانية للشخص بذاته والتي يحب أن تكون وفق سرِّية تامَّة وعلى دراية وإلمام كافٍ قادر على احتواء التشخيص وفق المهارات والقدرات التي تؤهله كمختص في هذا المجال بالذات، وتضمنت اللائجة أيضًا نقطة مهمة والمتعلقة في اجتياز كُلِّ ما له صلة بالكفاءة المعرفية وفق معيار تمَّ تحديده بنسبة لا تقلُّ عن 70 بالمائة فهذا بحدِّ ذاته يعطي مدى الاهتمام التي كرسته المنظومة في الأداء الذي سيقدِّمه للمجتمع. وأوضح الشبيبي أن اللائحة ستعالج مسألة السرِّية ويكون هناك نوع من الاطمئنان للمستفيد من الخدمة الذي يؤتمن بها دون إفشائها مهما استدعت الظروف وعليه أيضًا أن يجتهد في تقديم الحلول الناجعة من المصداقية والأمانة التي تسترعى فيه الجوانب والأُسس والأُطر العلمية التي تساعده والمختص به في مجال البحث والدراسة والإلمام الجيِّد التي من خلاله توصله إلى إيجاد الطرق السليمة والصحيحة. وأفاد رئيس مركز زلفى للاستشارات الأُسرية بأنَّ اللائحة تميَّزت بإقرار الوسائل التي تقدِّم الخدمة للمستفيدين منها، سابقًا كانت توجد الجلسات الحضورية أمَّا في اللائحة الجديدة فشملت عدَّة وسائل يتمُّ بها تقديم الخدمات من ضمنها المقابلة المباشرة أو الاتصال الهاتفي أو المرئي الذي يُعدُّ ميزة وإضافة ذات قيمة عالية جدًّا وفق الانفتاح العالمي الذي أتاح هذه الوسيلة، ممَّا أدَّى إلى تسهيل عملية المقابلات والمراجعات واتخاذ الطُّرق السليمة التي تُمكنه من العلاج. وأكد أن المجتمع العُماني يتمتع بثقافة وانفتاح عالٍ أسهم في سرعة تجاوب المجتمع في التصدِّي لبعض الإشكاليات، وجاءت اللائحة لتنظم العملية والتي سوف تترك أثرًا جيِّدًا وخصوصًا لدى المستفيدين من الخدمة وما تحتويه من بنود وأُطر تنظِّم العمل في هذه المهنة.