في غزوة الأحزاب وأثناء حفر الخندق لصد جيش المشركين ومنعه من دخول المدينة؛ واجهت المسلمين صخرة عظيمة صلبة عجزوا عن تحطيمها، فتقدم الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تجاه الصخرة وقال:(باسم الله) فضربها فتصدعت وخرجت منها شرارة مضيئة فقال:(الله أكبر.. قصور الشام ورب الكعبة) ثم ضرب ضربة أخرى، فبرقت ثانية، فقال: (الله أكبر.. قصور فارس ورب الكعبة).
هذا الدرس النبوي الشريف العظيم يعلمنا أن من وسط المحن تأتي البشارات، وأن دور القائد لا يقتصر على إسداء الاوامر فقط بل عليه أن يكون قدوة لأتباعه، وأن لا يدخر جهداً لتحفيزهم وشد همتهم مهما كان الوضع الذي هم عليه. فالأحزاب تكالبت وتوحدت على الباطل، وحددت هدفها باكتساح المدينة المنورة والقضاء على رسالة الاسلام، وأعدوا لذلك عدتهم وخرجوا بقضهم وقضيضهم واستجمعوا كل قوتهم لتحقيق مرادهم، وقد عظم الامر على كثير من المسلمين وأنتابهم الخوف والجزع والرعب (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا).
لكن في وسط ذلك الحال العصيب يبشرهم رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ بفتح فارس والروم، ويشاركهم حفر الخندق ويتحمل معهم العطش والجوع، أنه سلوك القائد الملهم الذي يعرف أصول القيادة، ويدرك كيف تُبنى الأمم وتقوم الحضارات، وها نحن نرى بعد أكثر ١٤٠٠ سنة من وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكيف تعلقت قلوب المليارات من المسلمين به (عليه الصلاةوالسلام)، مستعدون للموت من أجل الدفاع عنه ونصرة رسالته، إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ جمع في شخصيته كل فنون القيادة والكاريزما والتأثير التي لا يمكن أن تجتمع في بشر غيره.


سعيد بن محمد الرواحي
كاتب عماني