[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
لا نغالي إذا قلنا إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تتخبط في التعاطي ليس مع أزمات المنطقة، وإنما مع التحديات التي تواجه العالم، الأمر الذي وضعها في موقف محرج أمام حلفائها وأصدقائها من فرط الفوضى التي تعم العالم من دون رؤية أميركية واضحة للتعامل مع هذه المخاطر.
وانعدام الرؤية الأميركية بالتعاطي مع أزمات كوريا وأوكرونيا والقضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني مرورا بأزمات سوريا واليمن وليبيا والعراق، أظهرها وكأنها أدارت ظهرها لهذه التحديات التي وضعت العالم برمته أمام خيارات صعبة ومعقدة.
إن أحداث التاسع من يونيو/ حزيران الماضي الذي أظهر "داعش" كقوة على الأرض بسيطرته على نحو ثلث مساحة العراق أعادت تشكيل التحالف الدولي ليس كما كان في حرب الخليج الثانية عام 1991 وأحداث ليبيا، وإنما حلف إسقاط الفرص تجنبا للإحراج وذلك باقتصار دور هذا الحالف على الضربات الجوية التي لم تحسم المعركة لحد الآن.
ويحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يعيد ترتيب أوليات إدارته بالتعاطي مع خطر "داعش" بحشد الجهود والإمكانيات السياسية والعسكرية والاستخبارية، لتحريك مؤيديه من رجال السياسة والدبلوماسية والعساكر السابقين لمساعدته على تسويق سياسته الجديدة ليبعث برسالة مباشرة إلى الكونجرس لإقناعه بالموافقة على تفويضه بالتعامل مع الأخطار الجديدة، وإطلاق يد قواته بالعراق لتصبح قوات قتالية على الأرض.
وما يعرقل مساعي أوباما في سياسته الجديدة الشكوك داخل الكونجرس الأميركي من أهداف هذا التفويض والمخاوف من أنه يفتح الأبواب أمام مغامرات عسكرية جديدة، أو توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، وهذا ما يخشاه الديمقراطيون. من هنا يحاول أوباما رغم اتساع دائرة المعترضين على نهجه الجديد داخل أوساط حزبه وبضغط من الجمهوريين أن يقدم تسويق مشروعه لمحاربة الإرهاب عن طريق التعريف بدوافعه، وتشخيص جذور التطرف، ومكامن الخلل الكبرى التي يتحمل معظمها العالم الغربي والولايات المتحدة والأنظمة المحلية الدكتاتورية والطائفية الجديدة التي تتزعمها نظم سياسية جديدة ترفع الشعار الديمقراطي، وتحت رايته تضطهد الطوائف والقوميات، وتعزز دور الميليشيات الطائفية بدلا من المؤسسات المدنية الوطنية.
لقد وضع أوباما برامج هذه الحملة العالمية، غير العسكرية، كما يسميها على مقاس إدارته عن طريق مواجهة الفساد ومعالجة المظالم السياسية للشعوب، ومحاربة التهميش الاجتماعي، ورعاية النساء والشباب، ومحاولة نزع الإرهاب من وعائه الديني، وتوفير فرص العمل للشباب ومحاربة التطرف.
والمفارقة في نهج إدارة أوباما الجديد هي أنه لا يعترف بالأخطاء السياسية التي جرت في العراق والمنطقة، عموما التي كانت من نتاج إدارته والإدارات الأميركية السابقة، وحاولت بعد عام 2003 تعميمها عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي فشلت مرتكزاته في العراق، فتم تعطيل محركاته المباشرة، ومعاودة تنشيط المشروع الحربي الجديد في المنطقة عبر التعبئة العالمية لحرب "داعش".
إن ما يجري بالعراق وتداعياته على المنطقة والعالم كان النتيجة الحتمية لأخطاء الإدارات الأميركية وقصر نظرها بالتعاطي مع تداعيات هذه الأخطاء التي أوصلت العراق ودول المنطقة إلى حافة الانهيار لا سيما تنامي التطرف ورعايته، ومن ثم محاولة مواجهته بالحلول الفردية الناقصة. فنظرية "الفصل ثم الصدام الطائفي" أوجدها بول بريمر بعد عام 2003 عبر بناء نظام سياسي طائفي يجعل أوساطه الشعبية متناحرة متحاربة في محاولة لإضعافه والسيطرة على مدياته وكعادة الساسة الأميركان، بالاعتراف في وقت متأخر، بمخاطر الصراع الشيعي السني في العراق، وأن المالكي الذي رأس الحكومة لولايتين بدعم أميركي وإيراني هو من أجج العنف في العراق. عبر سياسة الإقصاء والتهميش وإبعاد شركائه في العملية السياسية.
واستنادا إلى ما تقدم فإن المسعى الأميركي لقيادة حملة عالمية لمواجهة الإرهاب ممولة من حلفائها الميسورين لن يكتب لها النجاح ما لم تعالج جذور ظهور التطرف والإرهاب، ومعالجة أسبابه وتجفيف منابعه بإجراءات واضحة وحقيقية تأخذ بنظر الاعتبار حاجات شعوب المنطقة للسلام والعدل والعيش بأمان ورفع الظلم ومنح الحقوق المشروعة لأصحابها لا سيما الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت إرهاب الدولة الصهيونية التي كانت سياستها العنصرية أحد أسباب تغول التطرف والإرهاب الذي تشهدها منطقتنا العربية.