[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
تُسَجِّلُ أوساط الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية، انخفاضًا محسوسًا وملموسًا في أعداد اليهود الذين يعيشون في العالم. وتَرجِعُ مصادر الوكالة اليهودية أسباب انخفاض أعداد اليهود في العالم (عدا فلسطين المحتلة) لجملة من الأسباب يقف على رأسها الاندماج والتماثل داخل المجتمعات الأصلية التي يعيشون فيها. والزواج المختلط. وتراجع فكرة التأييد للدولة الصهيونية عند قطاعات مُتزايدة من الشباب من يهود مختلف دول العالم. وتراجع عامل الجذب والإغراء الذي كانت تثيره الوكالة اليهودية لاجتذاب المزيد من يهود العالم للقدوم إلى فلسطين المحتلة. وأخيرًا الهجرة الاستيطانية التهويدية الاستعمارية إلى فلسطين المحتلة، بالرغم من تراجعها المستمر من عام لآخر، فقد بات ملف النضوب المتسارع لخزان الهجرة الاستيطانية اليهودية الصهيونية إلى فلسطين المحتلة وجفافه التدريجي ملفًّا مُعقدًا يثير القلق والخوف داخل الكيان الصهيوني ولدى الوكالة اليهودية، خصوصًا مع تزايد حالة الإحجام عن المجيء إلى فلسطين المحتلة، والتي تبديها القطاعات اليهودية في بلدانها الأصلية في أوروبا والأميركيتين ودول الاتحاد السوفييتي السابق. فقد أزفت اللحظة الذهبية السابقة على نهايتها ودقت وولت، وهي اللحظة التي جعلت من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية تعمل على تحشيد قوافل الهجرة الاستيطانية التوسعية اليهودية الصهيونية إلى فلسطين المحتلة، بعد أن تراكمت وفاضت أرقام هجرة اليهود الروس باتجاه فلسطين المحتلة، حيث وصل خلال الفترة (1990 – 2000) نحو مليون يهودي، بينما كان المتوسط القياسي خلال سنوات ثمانينيات القرن الماضي (15) ألف سنويًّا وفي السبعينيات (70) ألف سنويًّا. حيث كانت الهجرة الاستيطانية الكبرى ليهود الاتحاد السوفييتي خلال الفترة التي تلت تفكك الاتحاد قد أسهمت بأكثر من (67%) من إجمالي الزيادة السكانية اليهودية على أرض فلسطين التاريخية خلال الفترة المذكورة.
ومن المفيد هنا، الإشارة إلى أن اليهود في فلسطين المحتلة يتوزعون طبقًا لأصولهم القومية وفق النسب الرئيسية التالية: (1,9) مليون من اليهود من أصول أوروبية ـ أميركية، و(858) ألفا من أصول تعود إلى دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهذه المجموعة هي الأكبر في إسرائيل، و(500) ألف من أصل مغربي، و(30) ألف من أصل بولندي وروماني، و(180) ألفا من أصل عراقي، و(180) ألفا من أصل يمني، وعدة آلاف من اليهود الفلاشا/الأثيوبيين، والباقي من أصول مختلفة (سوري ـ إيراني ـ مصري...)، ويدخل في الأرقام السابقة سكان المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
أما في الدائرة العالمية، وتأسيسًا على آخر مُعطياتٍ صهيونية رسمية، فإن عدد اليهود في العالم ككل بما في ذلك فلسطين المحتلة تبلغ (13.1) مليون يهودي. فقد طرأ انخفاض بنحو (24%) في أعداد يهود جنوب القارة الأميركية، حيث تبقى (393) ألف يهودي موزعين وفق التالي: (84) ألف يهودي يسكنون في الأرجنتين، (96) ألفا في البرازيل، وفي المكسيك يوجد (40) ألف يهودي. أما في شمال إفريقيا فقد طرأ انخفاض كبير في عدد اليهود، حيث بقي إلى الآن مع منتصف العام 2008م في المنطقة المذكورة خمسة آلاف يهودي فقط مقابل (83) ألفا كانوا مقيمين في أوطانهم الأصلية شمال القارة الإفريقية في العام 1970. وفي جنوب إفريقيا فمن أصل (124) ألف يهودي كانوا في العام 1970 بقي منهم الآن (72) ألف فقط. أما في دول آسيا أيضًا فقد سجل انخفاض كبير في عدد اليهود، ومن أصل (100) ألف يهودي كانوا يعيشون داخل بلدانهم الأصلية في دول القارة الآسيوية في العام 1970 لم يتبقَ سوى (20) ألفا حتى منتصف العام 2008م، أغلبيتهم الساحقة في إيران. بينما بقي بحدود (300) يهودي يمني ما زالوا في بلدهم الأم، وعدد ضئيل جدًّا في سوريا. أما في أستراليا ونيوزيلندا فقط طرأ ارتفاع في عدد اليهود فقد بلغت أعدادهم (111) ألفا مقابل (70) ألفا في العام 1970.
أما بالنسبة لعدد اليهود في شمال أميركا وتحديدًا في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا فلم يتغير بعد بشكلٍ كبيرٍ، لأسباب معلومة ومنطقية، رغم موجات الهجرة اليهودية الكبرى من شرق أوروبا باتجاه القارة الأميركية، حيث تبلغ الآن أعداد المواطنين من اليهود في البلدان المذكورة (5.6) مليون مواطن يهودي. أما في أوروبا الغربية، فقد طرأ انخفاض بنحو (5%) في عدد اليهود. ومن المعلوم أن آخر المؤشرات والمعطيات الرقمية نهاية العام 2013م قد أشارت إلى أن عدد يهود بريطانيا بلغ (300) ألف مواطن معظمهم يعيشون في مدينة لندن وضواحيها، حيث كان قد غادر فلسطين المحتلة بصفة مهاجرين إلى بريطانيا (30) ألفًا خلال العقدين الماضيين ضمن هجرة معاكسة أي ما نسبته (10%) من عدد يهود بريطانيا. أما في فرنسا فقد بلغ عدد اليهود (600) ألف وهي الدولة التي تضم أكبر عدد من اليهود في أوروبا، وتأتي في المرتبة الثانية بريطانيا وفي المرتبة الثالثة ألمانيا التي أصبحت تضم (200) ألف من اليهود الذين عادوا أو هاجروا إليها من يهود إسرائيل وروسيا ومن بعض دول أوروبا الشرقية. فالكيان الصهيوني يجد أن هذه الدول الثلاث يعيش فيها بصفتهم مواطنين (1.1) مليون من اليهود قد تكون نسبة اليهود الذين تخلوا عن الكيان الصهيوني من بينهم (30%) وهو ما يقلق قادة المشروع الصهيوني ويحرمهم قوة بشرية ذات خبرة تجعلهم غير قادرين على حماية أهداف مشروعهم الصهيوني في التوسع والقيام بالدور الوظيفي المطلوب في الوطن العربي ومنطقته.
وفي هذا الإطار فإن كل المؤشرات الدراسية تنحو للاستنتاج بأن اليهود الفرنسيين يفضلون كندا في حال رغبتهم بالهجرة، وفي مقاربة ذات معنى أوردتها الصحف الإسرائيلية: هاجر أكثر يهود فرنسا (وعدتهم اليوم 500 ألف) إلى فرنسا من شمال إفريقيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واندمجوا في المجتمع وفي الثقافية الفرنسية، وأكثرهم، بحسب الاستطلاعات، لا يرون تناقضًا بين هويتهم الفرنسية وهويتهم اليهودية، ولا يعتقدون أن ديانتهم اليهودية تُشكل عائقًا لتقدمهم الشخصي في المجتمع الفرنسي. أما اليهود من جنوب أميركا يفضلون أستراليا، واليهود من الأرجنتين يفضلون مدن الساحل الغربي للولايات المتحدة على تل أبيب. في الوقت الذي لا تخفي فيه مصادر الوكالة اليهودية رغبتها الجامحة لدفع يهود فرنسا على وجه الخصوص للهجرة الجماعية نحو الكيان الصهيوني، مع توافر ثلاثة عوامل محبذة وراء ذلك من حيث التعداد النسبي العالي ليهود فرنسا البالغ عددهم بحدود (600) ألف أولًا، وقوة نفوذه هذا التجمع في المؤسسات الفرنسية الرسمية وغيرها ونفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا مع تعدد المنظمات اليهودية المنتشرة هناك، والسطوة الواضحة للاتجاه اليهودي الأرثوذكسي وأهدافه المتقاطعة مع اليمين الإسرائيلي بشقيه العلماني والتوراتي ثانيًا، وتأثيره العالي في الدائرة الأوروبية ثالثًا.
وبالنتيجة، نحن أمام تراجع لقوة ونفوذ وسطوة الفكرة الصهيونية وموتها المتتالي عند قطاعات متزايدة من يهود العالم، وسعيها للاندماج في مجتمعاتها الأصلية. كما في النضوب المستمر في ميزان الهجرة اليهودية لفلسطين المحتلة.