في كل عامين أو ثلاثة أعوام، يسافر رؤساء دول إفريقية إلى عاصمة أجنبية ليتم التودد إليهم من قبل قوة رئيسية أو أخرى من القوى التي تسعى إلى توطيد قدمها في القارة. وتعد الصين من أبرز المنظمين لتلك القمم الإفريقية، في حين تعقد اليابان والهند وتركيا والبرازيل والاتحاد الأوروبي نسخ خاص بها من تلك القمم. كما انضم الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى هذه المعمعة بدعوة 47 من الزعماء الأفارقة لإجراء محادثات بشأن التجارة والأمن في العاصمة واشنطن.
لهذه المنتديات مزاياها: فهي تعكس الأهمية المتزايدة للقارة التي يوجد بها ستة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، ويمكن أن توفر منبرا لمناقشة خطط التنمية التي يمكن أن تستفيد منها كل الأطراف المعنية. ولكن إلى حد ما فإن لهذه القمم الكثير الذي تعمله مع الجغرافيا السياسية ـ التنافس الأميركي الصيني على سبيل المثال ـ بشكل أكبر من التجارة الدولية.
وتكمن المشكلة في أنها تعزز صورة قارة في حاجة ماسة لمعونة أجنبية من أجل حل مشاكلها. والحقيقة هي أن التعاون الأكبر بين الدول الإفريقية هو أكثر الطرق الواعدة للاستفادة من الثروات الاقتصادية للقارة.
من الصعب أن يجد مكانا ما لديه تلك الضآلة في التجارة فيما بين أعضائه مثلما هو الحال بالنسبة لإفريقيا. فبينما كان 68% من التجارة في غرب أوروبا في العقد الماضي مع بلدان غرب أوروبا الأخرى، و48% في أميركا الشمالية بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، فإن التجارة بين كل البلدان الإفريقية تبلغ ما يتراوح بين10 إلى 13%.
والمشكلة أن ضعف التبادل التجاري في إفريقيا هو في أغلبه من صنع البشر. فالحواجز المصطنعة مثل الرسوم الجمركية المرتفعة والنقل غير الكفء ومعارضة تسهيل الانتقال الحر للأشخاص والسلع داخل التكتلات الاقتصادية الإقليمية تقع ضمن العوامل الأكبر. وباستثناءات بسيطة، مثل جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى التي يغلب عليها الصراعات، فإن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تزدهر. غير أن مزيدا من التجارة بين المناطق يمكن أن يحقق نتائج أفضل.
في ورقة بحثية سياسية متميزة وإن لم تحظَ بالتغطية الكافية نشرت في يناير 2012، وضعت مفوضية الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية في الأمم المتحدة لإفريقيا خارطة طريق توقعتا أن يشهد تنفيذها زيادة في التجارة البينية الإفريقية تصل إلى 25% خلال عقد من الزمن. ويمكن للفكرة المحورية ـ إقامة منطقة تجارة حرة إفريقية ـ أن تلغي الرسوم الجمركية وحصص الاستيراد وتخلق سوقا تبلغ قيمته نحو 2.6 تريليون دولار على حد ذكر جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا.
بالطبع فإن أي متابع لتقارير الاتحاد الإفريقي يعرف أن وضع التوصيات هو الجزء السهل، وأن الصعوبة تكمن في التنفيذ. فقد تم تبني فكرة التجارة الحرة المقترحة في البداية في اجتماع في أبوجا عام 1991 لكنها تراجعت في مرحلة التخطيط بسبب النزعة الحمائية بشكل كبير.
وهذا أمر مؤسف لأن المنافع واضحة جدا. فلو أن التكتلات الثلاثة الاقتصادية الإقليمية الرئيسية ـ تكتل شرق إفريقيا وتكتل تنمية الجنوب الإفريقي والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا ـ تحركت بسرعة لإقامة منطقة تجارية واحدة، على سبيل المثال، لأمكنهم تشكيل تكتل قوي قوامه 530 مليون نسمة.
كما يمكن للتجارة بين إفريقيا أن تعزز التصنيع. فاثنان من أفضل البلدان المصدرة ـ غانا (التي باعت 52% من سلعها وخدماتها في إفريقيا في عام 2008) وكينيا (46%) ـ ترسل السلع الأولية في الأساس إلى أسواق في أوروبا وتتبادل المنتجات المصنعة داخل القارة. وكان بعض من الصادرات الرئيسية لغانا في إفريقيا هذا العام هي الذهب المعالج والأدوات غير الكهربائية والألمونيوم والسبائك والملايات مقارنة بحبوب الكاكاو والكاجو والذهب الخام التي أرسلتها للخارج.
وصدرت كينيا الشاي والزهور والخضراوات والبن إلى أسواقها الأوروبية الرئيسية، في حين كانت صادراتها للبلدان الإفريقية الأخرى، باستثناء الشاي، هي في الأساس السلع المعالجة، بما فيها الإسمنت والمنتجات الطبية والسجائر وزيت الوقود المكرر. ويظهر ذلك أن إزالة الحواجز بين بلدان إفريقيا يمكن أن يوفر حافزا أكبر للبلدان لإضافة قيمة على منتجاتها الأولية.
كما يهتم الزعماء الأفارقة بفكرة القدرة على توسيع البنية الأساسية بشكل جيد. فالبلدان الإفريقية تحتفظ باحتياطيات نقدية خارج القارة تبلغ إجمالا نحو 200 مليار دولار. وفي دراسة حديثة جرت في شرق إفريقيا عن الجهود التي تقوم بها اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا من أجل إعادة استثمار هذه الأموال في القارة بغية توفير الأموال المطلوبة بشكل كبير لإقامة البنية الأساسية وخفض العجز في الميزانيات، جاء عنوانها: "مفارقة المتسول الغني تتمثل في احتياطيات الفوركس الإفريقية."
ومع وجود الحلول المعروفة جيدا، يكون من الأهمية بمكان أن يجد الزعماء الأفارقة الإرادة السياسية بغية التوصل إلى طريقة لصالح تعزيز الروابط الاقتصادية. وقد سعى الرئيس الكيني الجديد يوهور كينياتا خلال أشهره القليلة الأولى في الحكم إلى تشكيل تحالف مع رواندا وأوغندا المجاورين من أجل الإسراع بالتكامل وإزالة الحواجز غير المرئية أمام التجارة. لكن يبدو أنه فقد أعصابه بعد عدد من الشكاوى من تنزانيا التي اتخذ قادتها مقاربة أكثر حمائية حيال تلك القضايا. وكان يمكن للقادة الوطنيين أن يجنوا ثمار التكامل لو أنهم حرثوا أولا ثم سمحوا لبقية إفريقيا بالتحرك بحسب سرعتها.
وعلى المستوى الأوسع، يجب على مفوضية الاتحاد الإفريقي التفكير في الاستفادة من خدمات الساسة المخضرمين أمثال رؤساء بوتسوانا فيستوس موجاي وجنوب إفريقيا ثابو مبيكي ونيجيريا أولوسيجون أوباسانجو وتنزانيا بنيامين مكابا باستخدامهم كسفراء لها لإقناع الأفارقة بالتعاون بشكل أوثق على الصعيد التجاري. وبشكل خاص فقد تحدث موجاي بقوة عن الحاجة إلى التكامل، حيث قال في عام 2009 "كما تعلمنا في بوتسوانا، فإن المستثمرين من البلدان الأكثر ثراء تجذبهم على نحو خاص الأسواق المحلية الكبيرة في القارة. فعلى الرغم من أننا خفضنا الضرائب وأصلحنا قوانيننا وحصلنا على معدلات ائتمان جذابة، إلا أننا لا نزال نتلقى الاستثمار الأكبر في الغالب في مجالات استخراج المعادن وليس التدفق الاستثماري المتنوع الذي كنا نأمل فيه. ويمكن لتسريع وتيرة التكامل في القارة أن يغير ذلك."
من المؤكد أن إفريقيا تحتاج إلى الاستمرار في الانخراط مع بقية العالم. لكن لو تبادل بلدانها الأعضاء التجارة مع بعضهم البعض، لأمكن لقادتها أن يحققوا فرصة أفضل في حضور اجتماعات القمم العالمية كأنداد وليس كمتوسلين للمعونة.


موريثي موتيجا كاتب عمود أسبوعي في صحيفة صنداي نيشين أكبر الصحف انتشارا في كينيا ـ خدمة نيويورك تايمز خاص بـ"الوطن"