[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
مقدمة:
حين نتناول الاعلام كقضية كبرى، فنحن نخوض في اكثر الافكار تأثيرا على البشرية منذ ان كانت .. فليس من قبيل الصدفة ان تتغير عقول وان تصدم مشاعر وان تقلق أمم فيكون الاعلام هو السبب، تلك الكلمة المدروسة الصاعدة من جهاز تلفزيوني او من الكتابة او من سينما مثلا .. فحيثما تكون الكلمة الموجهة حديثا يكون العالم مصغيا.
ــــــــــ
من خلال التجربة الذاتية ومتابعة تجارب الآخرين، بل من خلال التطور الاعلامي الذي بات النص الاساسي للامم وللبشرية جمعاء، يمكن القول ان الاعلام هو اكثر المشاريع المؤثرة التي تقدمت وصار لها ذلك الوهج، بل تشعبت ايضا الى الحد الذي زاد من مؤثراتها، ومن تبعية الانسان لها، ومن التأثر بها، بل من التسليم بأنها عنوان للمتغير وللمعتقد وللحياة بشكل عام.
حين لم يكن هنالك اجهزة تلفاز، ولا اذاعات، ولا صحف ومجلات، اخترع الانسان مايعبر عنه، فمثلا كان الهنود الحمر اذا ارادوا القتال يدقون الطبول وبعضهم يشعل النار .. في حين كانت بعض الجيوش تهاجم بغتة حين تم التفكير بأن المفاجأة مكسب كبير. لكن الحياة دائمة التغير، ولأن الانسان يجرب ومن مادة التجريب يسعى لتحقيق افضل الفرص للبشرية، فقد اوجد الهاتف مثلا فكان ثورة في عالمه الاول، وحين ادخل الاذاعة احدث نقلة نوعية لايستهان بها، ومن خلالها حقق عنصر التأثير كما كان الحال ابان الحرب العالمية الثانية حين قاد غوبلز الالماني النازي لعبة اعلامية مازالت تسجل له في وقتها، استطاع من خلالها اللعب على الشعب الالماني، بل يقال انه من حقق لهتلر صعودا غير عادي، وفي الوقت نفسه اتبع اسلوبا تمكن من خلاله من التأثير عىلى خصومه، ويقال ان بعض الجبهات كانت تسقط بأيدي النازيين نتيجة اعلامه الموجه لهم مما كان يوقعهم في احباط وخوف شديدين.
لابد اذن من كتابة قصة الاعلام التي هي حكاية الانسان في تطوراته الاجتماعية وفي علاقاته المتشابكة فيما بينه وبين مجتمعه ومن ثم خارج حدود بلده وصولا الى اقصى العالم. فاليوم يستطيع الانسان بكبسة زر ان يشاهد الدنيا من خلال شاشة صغيرة وان يمتع فكره ببرامج فيها الكثير من الاجتهاد، بل انه يستطيغ من خلال هذا الزر الصغير ان يختار مايشتهي، فعالم المحطات الفضائية منوع وكثير، وجله مثير.
لكن المسألة لم تقف عند حدود التلفزة، والاذاعات الحديثة التي تتحول مع الوقت الى الكترونية ورقمية وغيره، بل ان الصحف ايضا لم تعد محصورة ضمن عالمه، صارت عالمية من خلال الانترنت الذي ادخل روحا جديدة على معرفة العالم في كل نواحيه وزواياه، واذا اضفنا الملحقات من الوتساب الى الفايسبوك الى تويتر وغيره نكون قد عرفنا كم اتقنت البشرية اسرارها .. وفي القديم كان يقال بان الاتصالات الهاتفية ستصل الى مرحلة ان يتشاوف فيها المتصلان، كنا نعتقد ان الفكرة سابقة لاوانها، لكنها تتحقق اليوم عبر السكايب مثلا وعبر الفايبر وغدا لاندري ماذا سيكون لدينا، فعالم الاتصالات رهيب وسريع التنوع، ونكاد في كل يوم نكتشف جديدا فيه الى الحد الذي لايتحمله دماغنا نحن ابناء زمن سابق على كل تلك الظواهر، حىث يمكن القول ان الاجيال التي تربت عليها ، صارت جزءا معبرا عنها، بل صار جيلنا اميا قياسا بالاجيال الحالية، لأننا لانتقن اللعب على تلك الظواهر، وقد يحتاج رجل في الستين مثلا الى حفيده ابن العشر سنوات كي يحل له قضية موجودة في تلك الظواهر التقنية الأخاذة بلا شك، لكنها كاشفة لحياتنا تماما.
تلك الاختراعات تصب كلها في الاتصالات لتحتمي تحت سقف الاعلام، أليست الخدمات الاخبارية التي تقدمها شركات اعلامية عبر الخلوي ضمن هذا الحيز، ان تعرف الخبر فور وقوعه صورة متقدمة لعالم متقدم.
عديدة هي المعطيات التي يمكن الحديث عنها والتي تندرج كلها تحت بند الاعلام باعتبار مشتقاته منوعة وشديدة الثراء. ان اجيال المتخصصين بالاعلام يعرفون اليوم جزءا من الافكار الاساسية التي تنتمي لاختصاصهم، في حين سوف يكتشف المتخصص انه مقبل على عالم فيه كثافة اشكال اعلامية، والامر لن يقف عند هذا الحد، بل المقبل من الايام سوف يعطينا المزيد، فالمخترعون لايقرأون فقط حاجة الانسان في شتى نواحي حياته ومستلزماتها ، بل يريدون ارباحا سريعة، فاذا عرفنا مثلا ان الخلوي بكل تطوراته الحديثة قد حقق ارباحا هائلة بالمليارات للشركات المصنعة، نعرف لماذا يتغير كل شهر مثلا شكل الجهاز فيتغير معها سعره بالطبع. ونظرا لتنوع الاجهزة، فان الخيارات باتت مباحة للجميع وبات كل شكل له نصيب من مستفيد ، فتعددت الاشكال وامتلأت الواجهات بها.
نحن اذن امام عالم يتطور بسرعة مذهلة لايترك وقتا للفراغ بل يملأ المخازن بكل جديده على صعيد التواصل الانساني او الاجتماعي كما يسمونه والذي صار في اكثره نبت اعلامي يقدم من خلاله المرء افكاره وتكلعاته كما يمكن له ان يقدم اخبارا ملقتة سياية وغير سياسية اضافة الى الاراء والمواقف.
لهذا صار الاعلام قضية كبرى، يجب ان تناقش بكل تفاصيلها، وان تقدم على طبق من المعرفة كي لاتظل عالما مخفيا بعيدا عن الاضواء ، فالاعلام الذي صار اساسيا ورئيسيا ومهما، بات لعبة بأيدي الكبار وبأيدي مؤسسات دراسات كبرى تسعى من خلاله لتغيير العقول وللتأثير قدر الإمكان على قسم معين من البشرية، تماما كما يصحل عندنا في منطقتنا العربية في فترات معينة لها معنى سياسي او اجتماعي او اقتصادي او ...
عندما بدأت حرب يونيو العام 1967 قالت اسرائيل ان مصر هاجمتها في البداية ثم ثبت لاحقا انها هي من هاجم المطارات ودمر الطائرات المصرية الجاثمة فوقها .. وحين وقعت الهزيمة العربية آنذاك لم تقف الأمور عند حد الشائعات التي ملأت عقول المواطن العربي الذي اصيب بالاحباط بل تحطمت معنوياته، وانما اضيف اليها السخرية من الشخصية العربية حين هبطت على المكتبات العربية كتب من نوع اللامنتمي لتزيد من حالة الضياع .. وهكذا تمكن الاعلام من التشكيك بكل قدرات الانسان العربي وبامكانياته، ولولا ان دخلت مصر في حرب استنزاف بعدها بشهور لما ارتفع الاحساس بالتغيير، بل ان ظهور المقاومة الفلسطينية آنذاك والحرب الكبرى التي خاضها الفلسطينيون في معركة الكرامة، اعادت بالفعل الكرامة وسمحت بالتنفس العميق للانسان العربي، تلك المعركة لم تكن عسكرية فقط، كانت اعلامية ايضا، فقد استطاعت المقاومة بعدها ان تستقبل الآلاف من المتطوعين العرب، فالانتصار له ابناؤه ، والانكسار له مؤثراته، وحينما يكون العدو متعدد الاطراف من اسرائيل الى اميركا الى اوروبا وغيره، نكون امام لعبة اعلامية عميقة التأثير سوف تجتاح كل عقل وحتى القادرين على حماية انفسهم مها.
///الاعلام المسيطر
كان رأينا دائما الامتناع عن جملة خبيثة عنوانها " دولة الخلافة " كي لا تحول الى سابقة، بل استعمال كلمة " داعش " فقط، وكنا نطالب بان لايعطى الوقت الكافي للحديث عن هذا التنظيم وان لا نمرر عمليات الذبح على الشاشات، ظنا منا ان تلك تعني اعلاما لمصلحة التنظيم الارهابي وخدمة اعلامية له. من المؤسف اننا ساهمنا بقصد او عن غير قصد في الترويج له وفي تقديم خدمات مجانية له ايضا مما اوقع شعوبنا في حالة القلق والخوف والرهبة .. بل اوقع العالم في حالة ارتباك، وحين وقعت جريمة مجلة شارلي في باريس، اصيب العالم بوجع كبير، لكنه كان محضرا له من خلال الخدمات الاعلامية التي قدمت للتنظيم وما تبعها من مؤثرات.
في كل الاحوال، نحن اذن امام مخاطر اعلام سلبي له آفاقه غير المحمودة، لكن المسألة لاتتوقف عند هذا الحد، فبكل أسف ولوعة يمكن القول ان اعلاما سلبيا يجري العمل به ايضا تحت سقف دول اقليمية وغير اقليمية من اجل تأجيج نار التناحر المذهبي وخصوصا بين السنة والشيعة .. هنالك الآن عشرات المحطات التي تتخاطب بمنطق المذهبية وبمنطق التشائم فيما بينها احيانا، وكل منها صار له اتباعه، بل كم من اثر نزل بمشاهديه وهم يسمعون كلاما محرضا وخطيرا لايمكن مقاومته وخصوصا لدى الاجيال الشابة غير المستنيرة التي تستثيرها مثل تلك المحطات وتدفعها الى الانخراط في تنظيمات تكفيرية ظنا بانه الحل من اجل الرد على الطرف الآخر.
تلك المحطات تعمل ليلا نهارا وبلا هوادة وباشراف منظم من اجهزة استخباراتية عربية ودولية لهذا السبب او ذاك .. بل انه تصل احيانا الى تسفيه التاريخ والدين والحضارة من اجل تمرير كلمات التحريض والدعوات الى الاقتتال، وقد قرأت ذات مرة تقريرا يقول ان ان الاستخبارات الاسرائيلية الاميركية قامت بتحريج اربعة آلاف من مشايخ الدين ورمتهم في المنطقة العربية والاسلامية بهدف التخريب على الاسلام والمسلمين وتوجيه الطعنات للدين الاسلامي وللمسلمين ايضا ودفع الأمور الى التقاتل والاحتراب .. لعل هذه من اكبر العوامل التي دفعت الامور الى ان تكون غرائزية بشكلها ومضمونها .. بل اوصلت المجتمعات الاسلامية الى حالة من التنابذ الذي لاحل له الا الصراع فيما بينها. ولكم طولبت بعض الدول التي تقف وراء تلك المحطات بالتوقف عن الدعم لكن لا احد يسمع، بل هنالك من يريد تسعير النشاط المذهبي خدمة للفوضى التي تضرب المنطقة والتي من شأنها ايضا الازادة في عوامل التفرقة. ولولا وجود البعض الهاديء المتزن لوصلت الأمور الى التقاتل فعليا.
مثال آخر على الاعلام السلبي الذي كان يخاض والان قلت حدته، فحين كانت ليبيا تسقط في مستنقعها الحالي، كان الصهيوني الفرنسي هنري برنارد ليفي يزور ليبيا بلا انقطاع محرضا وممسكا بشؤون التحريض الاعلامي، وحين بدأت الازمة في سوريا حاول هذا الصهيوني اللعبة ذاتها لكنها لم تنجح مع السوريين .. هنالك ايضا نقاط حساسة ينبغي الاعتراف بها، وهنا نذكر بعض المحطات التلفزيونية العربية التي شن اعلامها حربا لاهوادة فيها على سوريا، بل علمنا من مصادر مقربة منها، انها كانت تقيم ديكورات موحية شبيهة بتلك الموجودة في مناطق سوريا وتقوم بتصويرها على اساس انها مناطق سوريا، بل انها كانت تضع شخصا في عرفة داخل استوديوهاتها ليقول بانه ينقل مشاهد من ارض المعركة وهي تضيف مؤثرات صوتية كالمدافع واصوات الرصاص والدخان المتصاعد من احتراق ما. وكثيرة هي الاشكال التي اتبعتها تلك المحطات حتى قيل ان اكثر من ستين محطة تلفزيونية تشن هجومها الاعلامي على سوريا وان هنالك مئات الصحف المتجانسة معها والمرافقة لها .. هذه الحرب الكونية الاعلامية تحملها السوريون بفارغ الصبر وما زالوا، رغم امكانياتهم الاعلامية البسيطة والتي مازالت بسيطة الى يومنا.
هنالك اذن اعلام سلبي مدروس الابعاد يسعى للعب على مفاهيم محددة:
ـ من اجل التفريق بين المذهبين الاسلاميين الكبيرين عبر زيادة الاحتدام بينهما وخلق جيل متخاصم مع بعضه.
ـ من اجل التأثير على المتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية، ويجب ان نعترف بان طبخة كبرى تجري هنا هدفها القضاء على المقاومات والممانعة.
ـ هنالك امتصاص لخيرات المنطقة تجري تحت القول بانه مقابل المساعدة في درء الاخطار عنها.
ـ وهناك، وهو الاهم، لعبة بقاء نشر الفوضى في المنطقة تعميما للفائدة لدى الاميركي ولاطالة عمر اسرائيل وبقائها وعلى هذا الاساس يتم سحب خيرات الأمة.
ـ والاهم من كل هذا هو اعادة احتلال المنطقة بذريعة الدفاع عنها.
المنطقة اذن تحت اخطبوط اعلامي مدروس من المؤسف القول ان العرب مساهمون فيه، وهم لهذه الغاية مازالوا لم يعترفوا بالمتغيرات التي صارت اساسية وخصوصا في سوريا، ففي هذا البلد العربي القومي العربي التقدمي يجري دفن مؤامرة كبرى على كامل دول المنطقة وخصوصا المعتبرة فيها وسوريا في طليعتها. ومن المؤسف ايضا، ان بعض المحطات العربية مازالت على غاياتها في اكمال الدور المرسوم للكذب على شعوبها اتجاه مايحصل. ومن نافل القول ان مايسمى بجامعة الدول العربية لعبت فيها الاهواء المالية، فصار امينها العام مضحكا امام شعوب الأمة بعدما وقف بصراحة لمحاربة سوريا، وكانت الجامعة هذه سببا مباشرا في ما آلت اليه الأمور في ليبيا وتتحمل المسؤولية كاملة في هذا الخراب الذي دب في الجسم الليبي ويزيد يوما عن يوم.
///الاعلام الايجابي
ضمن هذه الفورة الاعلامية العالمية، من الضروري امام العرب امتلاك الهام منها، فالاعلام لم يعد استثناء انه الشخصية المعبرة عن بلده وموقعه، وهو بالتالي اداة جماهيرية تستطيع من خلالها الدول ان تصنع مواطنيها بالطريقة التي يحلو لها.
واذا كان العالم يصرف المليارات من اجل اعلام له كل التأثير على مواطنيه، وبالتالي على الشعوب الأخرى، فحري بالعرب ان يجدوا ذواتهم في اعلام يصنع لهم قوة حضور وقوة تأثير، ويحقق لمجتمعاتهم الاستقرار النفسي وعوامل الاحاسس بالذات العربية.
ان اول ممكنات الاعلام الناجح هو معرفة مخاطبة الجمهور العربي والطريقة التي يجب ان تكون ان عبر اللغة الموحية او عبر الصوت المؤدي وهذا له دوره، او من خلال المعلومة، ثم الصدق فيها وقول الحقيقة، ومن ثم دراسة الابعاد النفسية للكلام الموجه.
وفي ظروف الأمة الصعبة التي تمر بها، لابد من اعلام خاص يتوخى الدقة والمعرفة، وان يكون حريصا على تجاوز عملية دغدغة المشاعر الى انزال كل التأثير المباشر بها. اذ ليس بمستطاع العربي ان يجلس ليفكر بمقاوماته الخاصة، واكثر العرب غير مثقفين وغير مكتفين بالمعرفة، بل على الاعلام العربي ان يتسلل بكل هدوء الى دواخل الناس لينشأ بينه وبينهم مودة وارتباطا.
على الاعلام العربي محاكاة الواقع بحميمية مدروسة ليس فيها الكثير من العواطف لكنها يجب ان تعيد ربط المواطن باقدس احاسيسه وتركيبته الذهنية .. ويجب في هذه الظروف اعادة الاعتبار الى مفهوم الأمة والمفهوم القومي، خصوصا وان المؤامرة الدائرة على الأمة لم تعد تستهدف قطرا بعينه، بل هي تطالها بشكل كامل .. لنتصور الواقع الليبي وتأثيره على الواقع العربي سواء المحيط فيه او الابعد، او سقوط سوريا في المستنقع الذي خطط له وكيف ستكون عليه احوال الاقطار الأخرى. فنحن نواجه اليوم مجتمعين اكبر مؤامرة في التاريخ العربي كما انا نواجه فكرة التقسيم الجديد المدونة في ادبيات برنارد لويس وغيره من عشاق تجزئة الأمة المجزأة اصلا. ونواجه في الوقت نفسه تلك الاكذوبة الاميركية من مفهوم التحالف الذي تخوضه على الارض العربية والذي يجري من خلالها نهب الخيرات والمزيد من التمزيق. كما يجب التنبه الى ان اجيالنا الحالية يتم غسل ادمغتها بقوة الاعلام السلبي الذي يضخ فيها مايشاء من عمليات تخريب للذات، فاصل المؤامرة قتل النفس العربية قبل قتل الجسد ، واذا ماصارت النفوس تابعة لاقيمة للاجساد، لان سلب الحريات الشخصية من مقومات الاعلام الغربي والاسرائيلي تحديدا، والذي يريد فرض مفاهيم التبعية له بعدما يكون قد حقق منجزاته في النفوس.
ان هذه الاسباب مدعاة اذن لاعادة الاعتبار للتفكير للاعلام العربي وكيفيته. فنحن امام صراع ينبغي فهم ابعاده ومدلولاته، فان عرفناه يصبح لزاما علينا كيفية مقاومتها، والطريقة التي يجب ان تعتمد، وكذلك الاسلوب، ومعنى الافكار، اضافة الى وحدة الاعلام العربي ان امكن وهي من الضرورات القصوى رغم معرفتنا بصعوبة تحقيقها نتيجة تبعية كل اعلام الى سياسة بلده.
المطلوب اذن اعلام عربي فيه نكهة الحكمة اضافة الى المعلومة الصحيحة اضافة الى اللغة المناسبة ثم الى الصورة الموحية للمستمع . لايكفي ان نقدم للمتفرج العربي ، وخصوصا في جهاز التلفزيون الخطير الذي يلعب الدور الاساس في التأثير على عقول الناشئة وما تبقى من المجتمع ، مايريد ان يسمعه ، بل ماهي الحقيقة بقالب الكيفية التي يريد ان يسمعها بها .
من المؤسف ان هنالك اليوم مئات المحطات العربية التي لاقيمة لها ، في حين تنقسم المحطات المؤثرة وهي بعدد اصابع اليد الى كاذبة ومتآمرة ، فيما البعض الذي عليه الاعتماد كونه في متن الصراع لايعير للاعلام اهمية، بل انه عاجزعن تقديم ذاته حتى لشعبه سوى بالكثير من العواطف، والمعلومات المجتزأة، مع بعض الحوارات التي تلاءم المحطة والبلد الذي تنتمي اليه، وخصوصا تلك الحوارات التي يعلو فيها صوت المحاور وكأنه قائد في معركة يأمر وعلى العسكري ان يناقش بعد تنفيذ الأمر.
علينا ان نعترف بما يسمى سايكولوجية الجماهير التي كتب فيها منظر كبير هو غوساف لوبون، ونفذ الاهم غوبلز الذي ظل يقول اكذب اكذب حتى يصدقكك الناس، لكننا هنا وفي حالة الدفاع عن الذات التي تخوضها الامة نقول العكس ان اصدق واصدق كي لايتفاجأ الشعب بعدها بالحقيقة فتصغر الدولة بعينه، وتخسر بالتالي ثقة شعبها تماما.
المعركة التي تخوضها الامة معركة وجود حقيقية لالبس فيها .. انها احد صراعاتها التي تمر عبر تاريخها فتدعوها لتكون على مستوى المرحلة واكثر. والمعركة مفتوحة، طويلة وعنيفة، سواء مع التكفير او الذين يأكلون خيرات الأمة. والتكفير هنا متعدد الوجوه، لكنه متطلع الى ان ينال ليس حصة من الحياة العربية بل ان يكون بديلا عن الواقع الحالي, فالأمة بالتالي تدافع عن نفسها ضد هذا الخطر الذي يريد تغيير مسارها التاريخي، ويريد ايضا جغرافيتها المختلفة كما يوحي اليوم بالغاء الحدود بين قسم من العراق وقسم من سوريا، مما يؤشر الى ان سقوط سايكس بيكو قد يكون حان وقته، وما يقوم به " داعش " ليس سوى تعبير عن خطة اكبر من خطط الكبار الذين يقفون وراء هذا التنظيم.
///قضية القضايا
الاعلام اذن قضية القضايا الكبرى، هو الفلسفة الحديثة لمسيرة الشعوب وهو غذاؤها الروحي والمعنوي والانساني والاجتماعي. انه المنطق الذي تشعر به الشعوب وتتمناه، من يقرأ الصحيفة يشارك في رأيها لأنه سوف يتحدث عما حملته من عناوين ومعلومات واخار، ومن يستمع الى محطة تفزينية او اذاعية ذات ميول محددة، يحمل في عقله ذات الافكار والمعلومات ايضا .. من المؤسف انه صار لكل جهة في لبنان محطتها واذاعتها الخاصة وبالتالي ايديولجيتها والذين يتتمون اليها .. وقيل ان شدة تعضب البعض انه لايريد سماع الآخر، فيما الحياة كلها حوار بين اطراف متقاربة او متباعدة من مصلحة بقائها وخصوصا في الوطن الواحد.
الاعلام قضية ليست شائكة لكنها مدروسة بعناية مفكريها. يمكن لها ان تكون سما في دسم، او يمكن ان تكون حقيقة ساطعة، وكله مؤثر. المهم ان يشعر الشعب بصدق النوايا والكلمات والمعلومات .. عندما هزمت اسرائيل الجيوش العربية 1967 تحولت الشعوب العربية الى تصديق الدعايات الصهيونية والشك حتى بحقائق الاعلام العربي. بمعنى انها تمزقت من الداخل، ضربت الهزيمة الوتر الحساس لديها وهو تصديق العدو تكذيب وطنها، وكما قال العلامة ابن خلدون فان الضعيف دائم التقليد للقوي واحساسه بالتبعية له.
والاعلام قضية بل انه في عصرنا محرك جملة قضايا اخرى تتعلق به، ومن خلاله مؤثرات الحياة الاجتماعية، وكذلك حال الاقتصاد، وعليه تقوم كل المشاعر النفسية والانسانية، ولابد بالتالي من ان يظل قائما وبتوجيه صحيح كي يحقق مبتغاه.
نحن في عالم الاعلام، الصورة والكلمة المكتوبة، فاذا ماسمع احدنا كلمة عليه ان يذهب الى ابعادها، ويجب ان يتمكن المشاهد من رؤية ماخلف الصورة ايضا لأن الصورة تقرأ ايضا بعناية فهي تحمل مفهوما او مفاهيم وابعادا. عندما قدم " داعش " مشاهد الاقباط الذين تم ذبحهم في ليبيا صنع بتقنية عالية ابعاد الصورة كي تترك تأثيرا لعلها تركته بكل اسف في النفوس، وان كان متشكلا بالغضب والحزن وبعض الخوف والقلق على ماسيأتي لو تم وصول هذا التنظيم الى خطط توسعه الجغرافي.
وفي النهاية لابد من الاعتراف باننا نريد اعلاما ناجحا لكننا لانعرف كيف يكون .. لاتكفي التقنيات، بل لاتصنع اعلاما .. مايصنع الاعلام هو ما تقدم معنا، وبه نكتب، لكن الكلام عن الاعلام كقضية لاينتهي، فكلما ازدنا كتابة سطور زائدة وضعنا المفهوم المتوخى في ميزان الحقيقة. نريد اعلاما عربيا متطورا كما هي حال المطالبات، لكنه ايضا قادر على التأثير امام حجم الهجوم الاعلامي الذي نتعرض له والذي يسعى لأن يسرق المشاهدة كي يتمكن وحده من التأثير.