إنَّ أعظم النتائج هي ما تستقرُّ في الوجدان الجمعي عن ثوابت مؤكَّدة، تعريفات راسخة، ومفاهيم مستقرَّة عن دولة صنعت نهضتها بحروف من نور تراه مدوَّنًا في التاريخ، ولا يحتاج مزاولة أعمال تنقيب لتعرف مداه، بل إنَّ مواقف ومقولات هذه النهضة تظلُّ خالدة في الوجدان، تزداد عمقًا وبريقًا مع تجدُّد الأحداث، من أمثالها مواقف سلطنة عُمان الراسخة لدعم مصر خلال حرب أكتوبر 1973 عندما صدر مرسوم سلطاني بالتبرُّع بربع رواتب الموظفين لدعم مصر في حربها ضدَّ الكيان الإسرائيلي المحتلِّ، وقول السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ في العيد الوطني الـ14 للسَّلطنة عام 1984 «ثبت عَبْرَ مراحل التاريخ المعاصر أنَّ مصر عنصر الأساس في بناء الكيان العربي، ولَمْ تتوانَ يومًا في التضحية من أجْل والدفاع عن قضايا العرب والإسلام»، وهو تكريس لتقدير الدَّور المصري في المنطقة، من رَجل عاش ومات عظيم، كما لا ينسى من أفعاله دَوْره مع المؤسَّسات التعليميَّة التابعة للأزهر الشريف والتي خصَّص لها منحة يتمُّ دفعها منذ1990 لطلاب الأزهر بنَحْوِ 12 مليون جنيه سنويًّا، يتمُّ من خلالها دفع المصروفات للطلاب غير القادرين، كُلُّ هذه المواقف وغيرها الكثير من قَبل ومن بعد دفع الشَّعب المصري يعتزُّ كثير الاعتزاز بشَقيقه العُماني، ولا يوجد ذكر لأخ عربي هو الأقرب إلى المصري إلَّا ويُشار بالبنان إلى أهل عُمان ويردِّدون بَيْتَ الشِّعر: يُعرِّفُك الإخوانُ كُلٌّ بنفسِه وخيرُ أخٍ ما عرَّفتك الشدائدُ، هكذا التصقت الشخصيَّة العُمانيَّة في أذهان المصريين كما التصقت أيضًا في أذهان كُلِّ مَن زار عُمان أو عاش فيها أو سمع عنها، ليمتدَّ الذِّكر الطيِّب عربيًّا محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا حتى أطلق على سلطنة عُمان «وجهة السلام» نتيجة لِدَوْرها الدولي والإقليمي في إرساء الأمن والسِّلم الدوليَّين للمحافظة على البَشريَّة من ويلات الصراعات السياسيَّة، وهذا كُلُّه نتاج حضارة عريقة بدأت من أرض اللبان التي عانقت التاريخ مع الحضارة الفرعونيَّة المصريَّة القديمة، حتى وصلت إلى الحاضر حين تفاعلت الشخصيَّة العُمانيَّة مع النهضة التي شهدتها سلطنة عُمان.. التي اهتمَّت بالإنسان وبيئته، فكان العِلم والإيمان هما العنوان لنشأة أجيال تملك نهضة علميَّة وأخلاقيَّة وسلوكيَّة..
ولا غرابة أن يحلَّ جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ ضيفًا عزيزًا كريمًا على كُلِّ مصري، ليُنيرَ أرض الكنانة ويتباحث مع أخِيه فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كُلِّ ما يخصُّ الشَّعبَيْنِ الشَّقيقَيْنِ المتحابَّيْنِ، لتدق أجراس الخير، وتعلن أنَّ الأشقاء يتزاورون ويتباحثون وهم على الدَّرب متفقون، ولرفاهيَّة شعوبهم عازمون، ليصدق قول الشاعر: نكونُ كروحٍ بَيْنَ جسمين قُسمتْ .. فجسماهما جسمان والرُّوحُ واحدُ. إنَّ ما بَيْنَ مسقط والقاهرة قلوب عامرة تنبض بالأمل في غدٍ مشرق بَيْنَ شَعبَيْنِ لهم تاريخ مشترك لطالما كان عبَقُ اللبان العُماني القادم من صلالة مع الحضارة المصريَّة القديمة التي استغلَّته في طقوسها الدينيَّة والتحنيط، فانتقل شَعْبَا الدولتَيْنِ واتَّحدا عن طريق التجارة والصناعة، وبالأمس يلتقي قائدا الشَّعبَيْنِ ليُعيدا للتاريخ رونقه وللحاضر كينونته وللمستقبل عظمته.



جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»