ونحن نعيش، ونحيي الذكرى السابعة والخمسين لنكبة فلسطين ومفاعيلها المتواصلة حتى الآن، لا يفوتنا المجال للحديث عن توسُّع عمليَّات التهويد والاستيطان ليس فوق الأرض المحتلَّة عام 1948، بل وتمدُّده نَحْوَ الأرض المحتلَّة عام 1967، حتى بَدَت مناطق مختلفة من أرياف الضفَّة الغربيَّة وقراها وقد غزتها الكتل الإسمنتيَّة للمستعمرات التي لَمْ تتوقف توسعًا منذ احتلال كامل مدينة القدس والضفَّة الغربيَّة.
عمليَّات التهويد لمناطق واسعة في القدس والضفَّة الغربيَّة، تأتي في سياقات تدمير الحلِّ الأُممي المعنون بـ»حلِّ الدولتين»، ولمنع قيام دولة أو كيان فلسطيني متواصل فوق الأرض المحتلَّة عام 1967، وبالتالي تهويد كامل أرض فلسطين التاريخيَّة كما يحلم قادة دولة الاحتلال، ولكن هيهات... فالشَّعب الفلسطيني بنصف تعداده العام منغرس فوق أرض وطنه التاريخي، وقد بدأ الميزان الديمغرافي باتِّجاه زيادة سكَّانيَّة للشَّعب الأصلي.
إنَّ غول التهويد والاستيطان الجائر، والزاحف على عموم أرض فلسطين، لَنْ يُلغي الشَّعب الفلسطيني، ولَنْ يمسح وجوده، فزمن الترانسفير والتطهير العرقي قد ولَّى إلى غير رجعة. ونحن هنا لا نقللُّ من خطورة ما يجري من استيلاء على الأرض وتهويدها، لكنَّنا نُعيد تأكيد المؤكَّد، فخمسة وسبعون عامًا لَمْ تُنهِ القضيَّة والهُوِيَّة، وما زال الشَّعب الفلسطيني يُمسك بناصية حقوقه وبكفاحه المتواصل.
إنَّ دولة الاحتلال، وسياستها التهويديَّة، وكما أشارت المعطيات الأخيرة لمكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني في رام الله برئاسة الدكتورة علا عوض، زادت من أعداد المواقع الاستعماريَّة التهويديَّة والقواعد «العسكريَّة الإسرائيليَّة» في نهاية العام 2021 في الضفَّة الغربيَّة بلغت 483 موقعًا، تتوزَّع بواقع 151 مستعمرة و25 بؤرة مأهولة تمَّ اعتبارها كأحياء تابعة لمستعمرات قائمة، و163 بؤرة استعماريَّة، و144 موقعًا بتصنيفات مختلفة. أمَّا فيما يتعلَّق بأعداد المُستعمرين في الضفَّة الغربيَّة فقد بلغت نَحْوَ 719,452 مستعمرًا، وذلك في نهاية العام 2021.
كما أشارت المعطيات إيَّاها إلى أنَّ معظم المُستعمرين في الضفَّة الغربيَّة، يقيم أغلبهم في محافظة القدس وأكبرها مستعمرات «موديعين عيليت»، «بيتار عيليت» و»معاليه أدوميم»، بواقع 326,523 مُستعمرًا (يُشكِّلون ما نسبته 45.4% من مجموع المُستعمرين)، منهم 239,951 مستعمرًا في منطقة (ج) حيث يستغلُّ الاحتلال بشكلٍ مباشر ما نسبته 76% من مجمل المساحة المصنفة (ج) وفق خريطة اتِّفاق أوسلو الموقع عام 1993، وتلك المساحات التي تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمَّته سُلطات الاحتلال عنوة وخلافًا للقانون الدولي، بُعيد احتلالها للضفَّة الغربيَّة في عام 1967، ويليها محافظة رام الله والبيرة بواقع 143,311 مُستعمرًا، و95,279 مُستعمرًا في محافظة بيت لحم و50,067 مُستعمرًا في محافظة سلفيت.
أمَّا أقلُّ المحافظات من حيث عدد المستعمرين فهي محافظة طوباس والأغوار الشماليَّة بواقع 2,629 مُستعمرًا. فيما بلغت مساحة مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيليَّة في الضفَّة الغربيَّة نحو 537 كم2 في نهاية العام 2022، وتُمثِّل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفَّة الغربيَّة، فيما تُمثِّل المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكريَّة ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفَّة الغربيَّة بواقع 1,016 كيلومتر مربَّع، بالإضافة إلى ما يُسمَّى بجدار الضمِّ (جدار الفصل العنصري) والتوسُّع الذي عزل أكثر من 10% من مساحة الضفَّة الغربيَّة، وتضرَّر ما يزيد على 219 تجمُّعًا فلسطينيًّا جرَّاء إقامة الجدار. كما قامت سلطات الاحتلال ومنذ 1967 بمصادرة حوالي 353 ألف دونم من الأراضي الفلسطينيَّة وتصنيفها كمحميَّات طبيعيَّة تمهيدًا للاستيلاء عليها.
وأمام تلك المعطيات، ادَّعى مجلس المستعمرات أنَّ عدد المستوطنين في الضفَّة الغربيَّة المحتلَّة تجاوز النصف مليون، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي 2022، وأنَّ عددهم بلغ 502,678 مستوطنًا، في كانون الثاني/يناير الماضي 2023، ويتوقع أن يرتفع عددهم إلى 506 آلاف مستوطن في أيار/مايو 2023 الجاري. وأنَّ المُستعمرين الحريديين يُشكِّلون 36% منهم، والصهيونيَّة الدينيَّة 36%. والمستوطنين العلمانيين 28%..



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]